البرازيل وتركيا تشهدان اختباراً ديمقراطياً مؤلماً!
تعاني تركيا والبرازيل تأخر النمو الديمقراطي، فقد باتت أحزاب المعارضة ضعيفة ولا تقدم بديلاً مقبولاً،
وما زال من المرجح أن تفوز روسيف بالانتخابات المقبلة، في حين يعدّ أردوغان تغييرات دستورية تتيح له الانتقال من رئيس وزراء إلى رئيس للجمهورية.
وما زال من المرجح أن تفوز روسيف بالانتخابات المقبلة، في حين يعدّ أردوغان تغييرات دستورية تتيح له الانتقال من رئيس وزراء إلى رئيس للجمهورية.
قبل ثلاث سنوات، حسدت دول كثيرة حول العالم تركيا والبرازيل، فقد تمتعتا باقتصاد مزدهر وقادة ناشطين ديمقراطيين منتخبين من قبل الشعب، كذلك مارست هاتان الدولتان نفوذاً كبيراً في المنطقة المحيطة بهما، واعتُبرتا غالباً نموذجاً يُحتذى به. حتى إنهما بدأتا تنميان طموحات عالمية: فتدخل رئيسا هاتين الدولتين في المساعي الدبلوماسي العربية-الإسرائيلية، وحاولا لعب دور الوسيط في صفقة مع إيران بشأن برنامجها النووي.لكن شوارع هاتين الدولتين امتلأت اليوم فجأة بمئات آلاف المتظاهرين الغاضبين، يُعتبر كثيرون منهم من نتاج الطبقة الوسطى الشابة خلال انطلاق هذين البلدين، ولكن ما سبب هذا التبدل السريع؟ صحيح أن أوجه الاختلاف كثيرة بين تركيا والبرازيل (سنعود إليها لاحقاً)، ولكن من السهل رؤية القواسم المشتركة وراء انفجار الاضطرابات الشعبية هذا.
لعل الأهم بينها تجاهل النخبة السياسية في هذين البلدين الكثير من مواطنيها، فبعد أن أمضى في السلطة اثني عشر عاماً، بات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، متعجرفاً ومستبداً، فرفض الإقرار بشرعية مخاوف الأتراك العلمانيين، الذين يعارضون أجندته الإسلامية، فضلاً عن الأقليات العلمانية القلقة بشأن السياسات الخارجية، التي تبدو أشبه بأجندة تخدم مصالح السنّة فحسب. أما رئيسة البرازيل ديلما روسيف، التي ترأس حزب العمال وأمضت في الحكم نحو عقد، فتغاضت عن الفساد المتفشي وسمحت بتخصيص المليارات من الموازنة لبطولة كأس العالم لكرة القدم لعام 2014 والألعاب الأولمبية لعام 2016، في حين أن الخدمات الأساسية، كالتعليم، والرعاية الصحية، ووسائل النقل العامة، لا تزال متخلفة جداً، مقارنة بنظراء البرازيل. اقترف كلا البلدين خطأ اللجوء إلى العنف رداً على التظاهرات. نتيجة لذلك، تحولت تظاهرة عادية بشأن رسوم ركوب الحافلات في مدينة البرازيل الكبرى، ساو باولو، إلى حركة وطنية بعد أن هاجمت شرطة الشغب بوحشية المتظاهرين المسالمين، مطلقة عليهم الغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي. أما في تركيا، فبلغ القمع حداً أسوأ: شنت الشرطة اعتداءات متكررة لإخلاء "ميدان تقسيم". وتجري اليوم عمليات بحث لاعتقال منظمي المتظاهرين.يعاني هذان البلدان أيضاً تأخر النمو الديمقراطي، فقد باتت أحزاب المعارضة ضعيفة ولا تقدم بديلاً مقبولاً، وما زال من المرجح أن تفوز روسيف بالانتخابات المقبلة، في حين يعدّ أردوغان تغييرات دستورية تتيح له الانتقال من رئيس وزراء إلى رئيس للجمهورية. كذلك تعرضت وسائل الإعلام التركية للترهيب، واستشاط الكثير من المتظاهرين البرازيليين غضباً نتيجة ما اعتبروه تغطية أحادية الجانب من قبل شبكاتهم التلفزيونية الكبيرة.يأمل البعض في كلا البلدين أن يؤدي ما يحدث راهناً إلى تقوية الديمقراطية، وقد تتحقق آمالهم هذه في البرازيل، حيث قرر عمدات بعض المدن إلغاء زيادة رسوم ركوب الحافلات، كذلك عمدت روسيف إلى إصدار بيان ذكرت فيه أن "مَن نزلوا إلى الشارع نقلوا رسالة إلى المجتمع عموماً وإلى الحكومة خصوصاً"، وبرهنوا "طاقة ديمقراطيتنا". كذلك اتخذ أردوغان خطوة في الاتجاه عينه بلقائه بعض المتظاهرين وتقديمه التنازلات، لكنه سرعان ما أرسل رجال الشرطة وراء المتظاهرين وقادتهم. نتيجة لذلك، حدّت مقاربته المتشددة من فرص تركيا وصورتها كديمقراطية إسلامية معتدلة.