الإفلات من العقاب
• ما إن بلغت الساعة الحادية عشرة صباحاً حتى أعلن الحاجب: "الوقوف رجاءً"، حيث كان ذلك إيذاناً بدخول القاضي وهيئة المحكمة المكونة من ستة قضاة، ٤ رجال وامرأتين. وقفنا جميعاً حتى جلست هيئة المحكمة، ثم بدأ رئيس المحكمة في إيضاح ما هو بصدده، ومن ثم بدأ بقراءة الحكم. • تجلس هيئة المحكمة في الوسط مرتفعة بعض الشيء عن بقية الحضور، وعلى يمين القضاة تجلس هيئة الدفاع بمساعديها، ويقبع خلفهم المتهم، الذي بدا بكامل هندامه، أمامه ورقة يخطّ فيها خطوطاً غير معلومة، وعلى اليسار جلس فريق الادعاء الذي حمل على عاتقه عبء جلب الشهود والتحقق من شهاداتهم وصدقيتها مع كل ما كان يتطلبه ذلك من سفر إلى أماكن صعبة محفوفة بالمخاطر، وجلسنا نحن كمراقبين في شرفة علوية يفصلنا عن قاعة المحكمة حاجز زجاجي، قيل لي إنه موجود لدواعٍ أمنية، الإجراءات الأمنية مشددة جداً ويُمنع اصطحاب أي أجهزة تسجيل أو هواتف نقالة، حيث يتم التفتيش الذاتي بشكل يكاد يفوق ما نتعرض له عادة قبل ركوب الطائرة.
• الجلسة كانت للنطق بالحكم المستأنف من الطرفين، الادعاء والدفاع. كان الحكم قد صدر بالسجن ٥٠ سنة، ولكن الادعاء رأى أن ذلك لا يعكس فداحة الجرائم التي ارتكبها المتهم، فطالب برفعه إلى ٨٠ سنة، أما الدفاع فكان يرى أن موكله مظلوم، وأن أخطاء قد حدثت في تكييف الحكم، ولذا يطالب بتخفيض الحكم إلى ٢٠ سنة. أما القاضي فقد بدأ في النطق بالحكم المستأنف بشكل مفصل واستغرق في عرضه حوالي الساعة والنصف، وما إن انتهى من شرح كيفية وصول المحكمة إلى قرارها حتى التفتَ إلى المتهم وطلب منه الوقوف، ثم أبلغه الحكم، وهو تثبيت قرار حكم أول درجة بالسجن ٥٠ عاماً، ويبقى عليهم الاتفاق على مكان حبسه أو ما تبقى من تفاصيل تخص آخرين في القضية. • هكذا أُسدِل الستار على أحد أهم الأحكام الدولية في تاريخ البشرية، حيث إنه كان أول حكم يصدر بحق رئيس دولة سابق من محكمة دولية مستقلة، وهو شارلز تايلور، والتي تمت في لاهاي بهولندا يوم الخميس الماضي. ليتضح أن حكاية الإفلات من العقاب لم تعد لحناً يطرب له مجرم الحرب، وإن كان منهم مَن أفلت، فإن الدوائر بدأت تضيق، والمستقبل سيشهد تضييقاً أشد. وللحديث بقية...