إغلاق وزارة المالية أفضل سبيل لتقليص إنفاق بريطانيا

نشر في 29-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 29-06-2013 | 00:01
No Image Caption
ليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ، لكن إخفاقات وزارة المالية البريطانية كانت منهجية. وأدى إخلاصها الشديد للأسواق الحرة إلى أن تتجاهل مخاطر الأسواق المالية غير الخاضعة للتنظيم الكافي. كما أن ازدراءها لتدخل الدولة أعماها عن احتياجات الصناعة.
تغيير الموظفين في وزارة المالية البريطانية ينافس تغيير العاملين في مطاعم الوجبات السريعة. ومع ذلك لم يفقد كبار المسوؤلين في الوزارة شيئاً من غرورهم.

وتريد الحكومة توفير المال من أجل تضييق العجز في المالية العامة، ولتحقيق ذلك تستطيع أن تبدأ بداية متواضعة بأن تغلق وزارة المالية.

ومن المتوقع أن يكشف جورج أوزبورن النقاب هذا الأسبوع عن شريحة جديدة من اقتطاعات الإنفاق العام لتمديد التقشف إلى ما وراء الانتخابات العامة في 2015. وسيشعر الجميع بالألم، من طلاب الجامعات إلى الجنود الذين يتم الاستغناء عن خدماتهم بعد عودتهم من أفغانستان، ومن موظفي القطاع العام وأولئك الذين يتلقون مساندة الرعاية الاجتماعية إلى الشركات التي تعتمد على بنية تحتية سليمة في البلاد.

وعنصر المفارقة هو أن الحاجة تدعو إلى الاقتطاعات؛ لأن الوزارة أفسدت محاولة لإصلاح المالية العامة. وربما ليس في هذا ما يدعو إلى المفاجأة. فمهما اجتهدْتُ في التفكير في أي منظمة – عامة أو خاصة – ارتكبت هذا العدد الكبير من الأخطاء التي ارتكبتها الوزارة خلال العقد الماضي أو العقود الثلاثة الماضية، فلن أخرج بنتيجة، ولن أعرف كذلك منظمة أخرى بارعة إلى هذه الدرجة في تحويل تكاليف سوء أحكامها على الآخرين.

تقليص العجز

ففي 2010، طمأن كبار المسؤولين في الوزارة أوزبورن بأن الاقتصاد البريطاني أخذ في الاستقرار على المرتفعات المشمسة للنمو الصحي، وسيكون العمل الشاق في تقليص العجز وراء ظهره، وسيكون المحافظون، بصفتهم زعماء الائتلاف الحكومي، في وضع يؤهلهم للفوز في انتخابات عام 2015. وكان البديل هو رؤية بريطانيا وهي تعاني مصير اليونان، لكن الذي حدث هو أن الاقتصاد تعثر، وتعثر معه التقدم في تقليص العجز.

وبطبيعة الحال المسؤولية تقع على السياسيين، لكن هل كان في مقدور وزير المالية معرفة أن حماسة الوزارة لتطبيق التقشف في مرحلة مبكرة هي فعل من أفعال التكفير عن الذنب؟ وفي النظام البريطاني يتغير السياسيون، لكن موظفي الدولة يبقون في وظائفهم. والسياسيون الذين كانوا يصرخون بأعلى أصواتهم مطالبين بتقليص الإنفاق وزيادة الضرائب في 2010 كانوا يكَفِّرون عن تهاونهم في أثناء سنوات الطفرة في ظل حكومة العمال. لكن المشكلة هي أن الاقتطاعات كانت سريعة فوق الحد وضخمة فوق الحد. وخلال فترة قريبة سيكون العجز في بريطانيا ضعف معدله في اليونان.

ليس هناك إنسان معصوم عن الخطأ، لكن إخفاقات وزارة المالية كانت منهجية. وأدى إخلاصها الشديد للأسواق الحرة إلى أن تتجاهل مخاطر الأسواق المالية غير الخاضعة للتنظيم الكافي. كما أن ازدراءها لتدخل الدولة أعماها عن احتياجات الصناعة. والأمر المعقول الذي كان ينبغي فعله في 2010 هو حماية النفقات الرأسمالية، لكن الذي حدث هو أن البلطة سقطت على تكاليف الطرق والسكك الحديدية والإسكان والاتصالات الرقمية وبناء المدارس والمستشفيات.

ومحاولة وزارة المالية لتجاوز دورها وزارة للمالية والتحول إلى وزارة للاقتصاد لم تكن مفيدة. ويتولى دافعو الضرائب الآن مسؤولية دفع فواتير صفقات التمويل الخاص المدمرة التي تمت في عهد آخر حكومة لحزب العمال، وهي صفقات تم نقل أرباحها إلى القطاع الخاص، في حين أن الحكومات تمسكت بجميع المخاطر.

تغيير الموظفين

وعلى الرغم من أن الوزارة لاتزال على رأس نظام بريطانيا في الإدارة العامة، فإن مسؤولي الوزارة يغادرونها زُرافات ووحداناً. وتغيير الموظفين في الوزارة ينافس تغيير الموظفين في مطاعم الوجبات السريعة. ومع ذلك لم يفقد كبار المسوؤلين في الوزارة شيئاً من غرورهم. ويشعر المسؤولون بالذهول من النشاط الكبير الذي يتميز به المسؤولون البريطانيون حين يلقون المواعظ على زملائهم الأوروبيين حول فن الإدارة الاقتصادية.

ويوافق كل شخص تقريباً خارج الوزارة على أن إعادة التوازن إلى الاقتصاد البريطاني تتطلب دوراً أكثر نشاطاً من الحكومة – على شكل استراتيجية صناعية تساند المشاريع بدلاً من توجيهها. والسبيل الوحيدة للحصول على ذلك هي تفكيك قبضة الوزارة من حيث إخلاصها الشديد للنزعة الأصولية في المالية العامة وللأسواق الحرة غير المقيدة، من خلال تجريد صلاحياتها لتحتفظ بالوظائف الأساسية المعروفة في وزارات المالية التقليدية. والمسؤولية الأوسع المتعلقة بتقديم نظام بيئي تستطيع فيه الشركات الازدهار ينبغي أن تُنقَل إلى وزارة الأعمال.

سيقول أصحاب الذاكرة القوية إنه تمت تجربة ذلك من قبل، حين شرعت حكومة العمال في إنشاء وزارة للشؤون الاقتصادية في الستينيات من القرن الماضي. لكن تلك المحاولة تعرضت للإجهاض على يد وزارة المالية.

أسعار الفائدة

وكانت التجربة قبل عدد من دورات الطفرة والانهيار، وقبل فترة طويلة من قيام وزارة المالية بهدر عوائد نفط بحر الشمال والمراهنة على أن مستقبل الاقتصاد يكمن في البنوك.

في تلك الأيام لم يكن يتخيل أحد أن وزارة المالية يمكن أن تهبط إلى هذا الدرك، بحيث تتخلى عن سياسة أسعار الفائدة إلى بنك إنكلترا، وعن التوقعات الاقتصادية إلى مكتب مستقل اسمه مكتب مسؤولية الميزانية.

قبل بضع سنوات قلتُ إن رولز رويس وزارة المالية القديمة أصبحت تشبه بصورة وثيقة سيارات ترابانت من ألمانيا الشرقية. ومنذ ذلك الحين سقطت العجلات، وقد آن الأوان لجر تلك السيارة إلى ساحة الحراج.

* (فايننشال تايمز)

back to top