جلسة حذف الاستجوابات وراء الشمس لم تكن على الإطلاق شاهداً على وداعة مجلس الصوت الواحد أو كونه في "جيب الحكومة"، ولم تكن أبداً دليلاً على إثبات عكس ما حاول رئيس المجلس تصويره للناس بأنه ليس مجلس "قليل شر وله أظافر"، ولم نكن بحاجة إلى تصريحات بعض النواب بأنه مجلس "لا يهش ولا ينش"، و"مجلس انبطاحي"، و"دمى"، و"طراطير"، فمثل هذه الأوصاف من الواضحات التي لا تحتاج إلى توضيح.

Ad

ولكن ما يجب أن نتوقف عنده في الجلسة التاريخية هو ثمرة ما ابتدعه بعض النواب الحاليين في مجالس سابقة وتحديداً مجلس 2009، وفي قضية الاستجوابات ذاتها، حيث ينطبق عليهم قوله تعالى في الآية الشريفة من سورة آل عمران: "كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه".

فأغلبية النواب الذين صوتوا ضد تأجيل الاستجوابات لمدة دور انعقاد كامل، وكانوا أعضاء في مجلس 2009، صوتوا على النقيض تماماً على تأجيل استجواب من السعدون- العنجري ضد رئيس مجلس الوزراء، ولنفس المبررات والتكتيكات التي مارسها الرئيس والنواب!

وكانت تلك البدعة السياسية هي السابقة الأولى في تاريخ الحياة البرلمانية الكفيلة بقتل أدوات المساءلة، وأذكر تماماً التعليقات والتحذيرات التي كانت توجه إليهم بأن مثل هذا العرف قد ينقلب عليهم في المستقبل، ويحرمهم من هذا الحق الدستوري، ولكن العناد السياسي والاستماتة في الدفاع عن الحكومة وقتها بالحق والباطل حجب أنظارهم عن رؤية متر واحد للأمام لا سنة من الزمان.

والمضحك أنك لو قارنت مداخلات النواب في جلسة 17/ 5/ 2011 وطريقة تبريرهم لحق الحكومة في تأجيل الاستجوابات تكاد تصعق ولا تصدق أن هؤلاء هم أنفسهم الذين يتباكون اليوم على حرمان المجلس من الرقابة، فإما يستهزئ هؤلاء بعقول الناس ويتوهمون أنهم بهذه الدرجة من السذاجة أو ضعف الذاكرة، وإما أن المتاجرة في السياسة "صارت أشكره"!

وجلسة الأمس بيَّنت حقيقة واحدة تكررت مئات المرات، وهي أن النهج الحكومي لم يتغير منذ عشرات السنين، وأنها فقط تبحث عن "نواب الجيب" في كل مرحلة للسيطرة على المجلس والهروب من الرقابة والمحاسبة، وقلنا في مقالة سابقة إن المجلس الحالي بقدر ما فيه نواب في "المخبه" فقد تتحير الحكومة فيمن تختارهم من أصدقاء، وانها هي التي ستتحرش بالمجلس وتستدرجهم نحو الاستجوابات!

ولا تتوقى شوكة الحكومة يوماً بعد يوم إلا بسبب النواب الذي يصل إلى حد التضحية بالمبادئ من أجل مصالح ضيقة ووقتية، ولهذا لا يمكن لمن باعها اليوم أن يحصل عليها غداً، فمرحباً بالمعارضة الجديدة التي قد نتوقع منها المزيد من التصعيد في الاستجوابات وربما الانسحاب من المجلس وتقديم استقالات صورية، بل والخروج إلى الشارع، وإن كانت هذه المعارضة أيضاً "لا تهش ولا تنش" حالها حال المجلس كله، لأن قطع رأس القط بعد سنوات من ليلة الدخلة لا يثير سوى استهزاء العروس التي صارت عجوزاً، وتعالوا "صفوا" مع المعارضة السابقة التي ضيعت مشيتها أيضاً، وصار كل مجلس "يخمش خشم نفسه"!