«أول شي»
قُضي الأمر، وأستبعد أن يُبطَل هذا المجلس أو يُحَل، فالحكومة غامرت وأجرت الانتخابات في رمضان تجنباً لأي أخطاء إجرائية ممكنة تبطل المجلس، وحل المجلس ستكون تبعاته كبيرة في اعتقادي على الدولة، ونسبة المشاركة رغم ظروف الانتخابات وموعدها كفيلة بخلق جو مقبول من الاستقرار السياسي في البلد.إلا أن ما شهدته شخصياً من انقسام كريه وطائفية مقيتة فاق كل ما شهدته في كل انتخابات شاركت فيها من قبل، القبلي لا يريد سوى قبيلته والشيعي لا يريد سوى طائفته، والسنّي يبحث عن أسود السنّة، والحضري لا يريد "البيسري" وهلمّ جرا، وما يجمعهم مبرر واحد وهو الخوف من الآخر؛ الشيعي يخشى أن تغلق الحسينيات، والسنّي يخشى المد الصفوي، والقبلي يخشى من جويهل آخر، وكلهم يعلم أنه فور وصول من يختلف عنهم فإنه سيسن تشريعات تقصيهم بل تلغيهم أيضاً.
لن يزول هذا الهاجس بل سيتعزز ويكبر طالما باركته الحكومة، ومارست لعبتها الدائمة في تقريب البعض وإقصاء البعض الآخر، وإن استمرت الحال فسيتطور لأن يخشى ابن القبيلة من بقية الأفخاذ، وابن الطائفة الشيعية من بقية مقلدي المراجع الأخرى، والحضر سينقسمون لفئات أصغر وأقل.رغم وجود الدستور ومبادئه الواضحة في المساواة والعدالة والحرية فإن هاجس الإقصاء ما زال ينمو، لأننا وببساطة لم نطبق الدستور إلا في سنواته الأولى، وبعد ذلك أصبح خرق الدستور هو الواقع الثابت.ورغم عمق هذه الأزمة الفئوية فإن حلها بسيط كسائر مشاكلنا الأخرى، فكل ما يحتاجه المجتمع بفئاته هو ضمانة العيش الكريم المتساوي دون إقصاء، ولأن الدستور، كما ذكرنا آنفاً، حرص على احتواء كل المختلفين كي لا يلغي أحداً، فإن الضمانة الوحيدة لتحقيق ذلك هي فتح أبواب المحكمة الدستورية للجميع على خلاف ما هو مطبق اليوم، والذي يتيح للحكومة والمجلس والضرر التقديري المباشر اللجوء لتلك المحكمة. فحق لجوء الأفراد مباشرة إلى المحكمة الدستورية في أي قضية لتفصل تلك المحكمة بدستورية القانون، يعني أنه لن يتمكن أي أحمق من إقصاء فئة من المجتمع الكويتي، كما حدث في مناسبات سابقة، ولن يتيح المجال لأي مريض أن يقدم على اقتراح لهدم الكنائس مثلاً أو فرض وصايته على الأفراد وغيرها من الأمور المتعارضة مع الدستور والدولة.فإن ضمن كل مواطن كويتي هذا الحق فإن حدة تطرفه لقبيلته أو طائفته ستخف إلى أن تتلاشى، ولن يكون الإقصاء أو الإلغاء هاجساً بالنسبة إليه أبداً، ولن يخشى من وصول المتطرفين إلى المجلس لأن تطرفهم سيكون مقيداً بحدود الدستور دون أن يتمكنوا من تحقيق ما يرمون إليه وإن كانوا خمسين نائباً، وبالتالي فإن تطرفهم لن يعود بالنفع على أحد، فينصرف عنهم الناس بكل تأكيد.إن حق التقاضي المباشر أمام المحكمة الدستورية أول خطوة في سلم إصلاح الوضع، ولا يوجد أولوية تفوقه أهمية، وعلى الحريصين على الكويت من النواب أن يقدموا على هذا الأمر فوراً.خارج نطاق التغطية:تحية إجلال وإكبار لا بد أن تقدم للأستاذ وسمي خالد الوسمي الذي رفض بكل شجاعة ووطنية أن يكون حكراً على فئة أو قبيلة، وقدم نفسه كمرشح لكل أهالي الكويت؛ ليضرب بذلك مثلاً يصعب وجوده في هذه الأيام التعيسة، فله منّا كل الشكر والتقدير.