زعم بعض المستشرقين أن أسلوب القرآن الكريم المدني تغيّر عن الأسلوب المكي بتأثير اليهود أو لمراعاتهم، ولكنها مجرد مزاعم لا أساس لها من الصحة، حيث يقول الدكتور محمد زناتي عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر سابقاً: إن الأسلوب المدني قد اختلف عن الأسلوب المكي، لكن ليس بسبب اليهود، بل بسبب تغيّر الموضوعات والحاجة إلى تغيير الأسلوب ليناسب عرضها، فالموضوعات في العهد المكي كانت تدور حول الدعوة إلى الله، وإثبات التوحيد والرسالة واليوم الآخر وتفصيلاته، أما موضوعات العهد المدني فاختلفت، وتبعاً له اختلف أسلوب عرضها، فقد عني العهد المدني بتفصيل التشريعات، من عبادات ومعاملات وأنظمة وحدود، وأحكام الأسرة وقسمة المواريث، والعلاقات الدولية في الحرب والسلم، لذلك تميزت الآيات بطويل المقاطع، ليتم بسط الأحكام وتفصيلها خلافاً للأسلوب المكي، وكذلك تناولت الآيات مخاطبة أهل الكتابين ودعوتهم للإسلام، وحيث إنهم أهل دين رباني فقد اقتضى الأمر اختلاف أسلوب مخاطبتهم عن أسلوب مخاطبة أهل الأوثان، فهناك نقاط مشتركة انطلق منها القرآن، كما واجههم بكشف التحريفات وإقامة الحجة عليهم وطبيعي أن يختلف أسلوب مخاطبة المشركين عن أسلوب مخاطبة أهل الكتاب عن أسلوب مخاطبة المنافقين، فتغير الأسلوب اقتضاه الموضوعات لا الأشخاص، لكن ينبغي ملاحظة أن فصاحة القرآن وبلاغته، وتأثيره على القلوب وإقناعه للعقول لم يتغير، فدرجته في العهد المدني لا تختلف عنها في العهد المكي، فسبحان الحكيم الذي أحاط بكل شيء علماً، وأعطى كل ذي حق حقه.
Ad