سورية ... السياسة والطائفية!
هناك انقسامات حادة في الدول العربية والإسلامية نفسها حول الأزمة السورية، وهناك آراء متفاوتة حتى في إيران ولبنان تجاه الأحداث السورية، ناهيك عن الدول الغربية، فلا نستدرج أكثر وأكثر في هذا الخزي، فأبناء السنّة والشيعة يقتلون في مقبرة واحدة بينما الدول الكبرى تنتظر إضعاف وإنهاك الجميع.
الكتابة في الشأن السوري كما السير في حقل ألغام من حيث التعقيد والخطورة من جانب، والإعلام الطائفي الذي تشربت به النفوس حتى النخاع من جانب آخر، فلم يبق هناك أي مساحة تذكر للتحليل السياسي الموضوعي أو شبه الموضوعي، ولعل هذه الحالة ننفرد بها في الكويت وبعض الدول الخليجية لترسبات الاحتقان الطائفي وتراكماتها التي غيبت العقول.وبمجرد أن تخرج من المحيط الخليجي تجد التحليلات السياسية أكثر منطقية وإن كانت لا تخلو من الإشارة إلى البعد الطائفي، ولكن في إطار العقيدة السياسية الدينية وليس بالسطحية المتعمدة والمقصودة للتهييج والإثارة.
فاللعبة السورية لا يمكن حصرها في هذا الطرح الطائفي الضيق، فهي أوسع بكثير وربما تكون نواة لإرهاصات نظام عالمي جديد قائم على تحالفات إقليمية ودولية قيد التشكيل، ومن المضحك أن تختزل قواعد اللعبة الدولية من دول رئيسة كالولايات المتحدة وأوروبا الغربية وروسيا والصين ومصالحها وتسابقها من جديد على الزعامة العالمية في إطار الشيعة والسنّة، فهل تحولت أميركا وبريطانيا وفرنسا إلى المذهب السنّي المتشدد والمعروف عند الشيعة بالوهابية والتكفيريين؟ وهل اعتنقت روسيا والصين المذهب الصفوي كما يحلو لبعض السنّة أن يسموه؟ إن سورية كغيرها من الدول العربية منقسمة على نفسها من الداخل، فكما في المعارضة الآن سنّة وعرب وأكراد ومسيحيون فإن النظام بدوره جمع نفس هذه المكونات، نعم بدأت الثورة السورية بالتزامن مع الربيع العربي وبمطالب إصلاحية محقة كون النظام لا يختلف عن الأنظمة العربية الفاسدة، ولكن هناك من سرق هذه الثورة قبل نضوجها وصارت احتمالات نجاحها بالقوة المسلحة وآلاف الشباب من مختلف دول العالم مخيفة ليس للنظام إنما للشعب السوري نفسه، فالقتل لا يستبدل بالقتل وسياسة الإقصاء لا تحل محل إقصاء آخر، ودعم الحكومات العربية والغربية لم تكن في يوم من الأيام من أجل سواد عيون شعوبها فكيف شعوب الدول الأخرى؟!واليوم وفي آخر حلقات المسلسل السوري فإن دخول مقاتلي حزب الله في القتال صارت شماعة إضافية للطائفية، وإذا كان هذا الغضب الكبير من دخول جزء من شيعة لبنان في اللعبة السورية مبرراً لإعلان الجهاد عند بعض مشايخ الدين على عموم الشيعة، فكيف نفسر وجود مقاتلين من ثمانين دولة عربية وإسلامية وأوروبية وأميركية قدّرتهم بعض أجهزة الاستخبارات بأربعين ألف مقاتل، قتل منهم الآلاف حتى الآن بعدما قتل مثلهم في أفغانستان والعراق والمغرب العربي؟ وهل هذا بالمقابل مبرر آخر لإعلان الجهاد الشيعي على أهل السنّة؟وهناك انقسامات حادة في الدول العربية والإسلامية نفسها حول الأزمة السورية، وهناك آراء متفاوتة حتى في إيران ولبنان تجاه الأحداث السورية، ناهيك عن الدول الغربية، فلا نستدرج أكثر وأكثر في هذا الخزي، فأبناء السنّة والشيعة يقتلون في مقبرة واحدة بينما الدول الكبرى تنتظر إضعاف وإنهاك الجميع، وبعد ذلك يتفقون على مخرج سياسي أقلها يضمن مصالح أطرافها بالتساوي، وذلك على حساب جماجم المسلمين!