إلى متى نقف متفرجين أمام القفزات العلمية التقنية التي يشهدها العالم ونحن مكتوفي الأيدي أمام الطوفان المعلوماتي الذي يجتاح عالمنا هذا؟ وما السبل إلى توظيف مؤسساتنا للاستجابة للوفرة المعلوماتية بشكل إيجابي؟ وكيف نتعامل مع الطاقة الشبابية ونواجه شغفها ورغبتها في التواصل والتعبير عن الرأي بحرية؟ فهل أنصفنا الشباب باستخدام التكنولوجيا؟

Ad

أسئلة كثيرة تدور في الأذهان وتظهر أمامنا كباحثين لإيجاد إجابات لها ورسم استراتيجيات للتعامل مع التغيير ثم تغيب للأسف أثناء المؤتمرات وورش العمل؛ إما لغياب المختصين وإما مجاملة لرعاة المؤتمرات... لذا فدراسة السلوك في تعامل الشباب مع التكنولوجيا تتطلب الاستمرارية في البحث تحت مظلة استراتيجية واضحة.

أقول ذلك بعد متابعتي لاستخدام المدارس الأجنبية لتكنولوجيا المعلومات وتوجيه طلبتهم (والأغلبية من الكويتيين) للاستعانة  بالمراكز المعلوماتية الأجنبية والدولية للحصول على المعلومة وإجراء البحوث.

أما طلاب المدارس الحكومية (كويتيون أيضاً) والعربية حتى الآن ليس لديهم موقع باللغة العربية لتزويدهم بالمعلومات، ونحن نعلم أن قصور الموارد المعلوماتية دافع للجوء الطلبة إلى المكاتب البحثية وبالتالي شراء البحوث، الأمر الذي يندرج تحت بند الفساد وسرقة المعلومة، والمفارقة أن نتعامل مع خريجي المدارس الحكومية والأجنبية في المرحلة الجامعية ونتابع ارتفاع قيمة التعليم الخاص ونوعيته أمام سطحية التعليم العام وهشاشته.

وبالتالي الواقع الذي علينا إدراكه هو أننا بحاجة إلى استراتيجية لمواجهة الانقلاب المعرفي، فقد دخلت التكنولوجيا إلى الهواتف المحمولة، وأصبحت في متناول جميع الأعمار وإلى المنازل بمقدرتها الإنترنتية الفائقة، وأثرت في تصميم وفاعلية البنى المعرفية.

والمواقع التي ابتدأت بالتحول إلى مصادر للمعلومات للباحثين هي إما المراكز البحثية الخليجية وأبرزها المراكز الإماراتية والسعودية، وإما مبادرات فردية لنشر الكتب على الصفحة الإلكترونية وأبرزها بعض الأساتذة من ذوي المكانة العلمية المرموقة الذين ارتأوا نشر كتبهم مجاناً عبر الإنترنت كالدكتور محمد ربيع أستاذ العلاقات الدولية المعروف والذي يدرس في المغرب حالياً.

أما توظيف المادة لخدمة التكنولوجيا فباعتقادي أننا ما زلنا متعثرين، فكما ذكرنا سابقاً مأزق تحديث القوانين وغياب قانون يسمح بإنشاء مصنع لتجميع قطع الكمبيوتر وإعادة تصنيعه دفع الشباب من أصحاب المشروع إلى الانتقال إلى دولة خليجية وتأجير مكتب في منطقة الميناء الذي ينعم بإنفاق الصندوق الكويتي لمحاولة أخيرة لتأسيس مشروعهم، فلم ينفعهم قانون خليجي "للأوفشور"، ولم تنصفهم دولتهم ضمن مبادرات الشباب!

ولن يخفى على أحد أيضاً أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت سلاحاً ذا حدين لو اعتبرت أداة من أدوات الحراك السياسي، الأمر الذي بدا واضحاً في التداول الشبابي الخليجي للمعلومات عبر "تويتر" وأحداث شباب "الفيسبوك" وثورة مصر وتونس وغيرها من التجمعات الافتراضية، فالحرية وسعة الصدر مطلوبتان والحماية أيضا لتأمين حق المغردين في التداول المعلوماتي.

وفي السياق ذاته، ومن واقع عملي، تابعت أيضا محاولات بعض الباحثين دراسة تأثير المنتديات السياسية الإلكترونية في مفاهيم عديدة كالمواطنة والشعور بالانتماء في الوقت الذي انتشرت فيه منتديات الهويات الفرعية بأسماء العائلات والتكوينات الاجتماعية المختلفة بشكل فاق منتديات القضايا كحقوق الإنسان في العالم العربي أو حقوق المرأة.

وفي الوقت ذاته عادت أخيراً مواقع "مدنية" مرتبطة بقضايا لدول الربيع العربي وأبرزها مصر وتونس في إنشاء مواقع لتدارس هموم كتابة الدساتير في فترة ما بعد الانتفاضات الربيعية ولو تطورت تلك المواقع إلى روابط أو شبكات تجمع أهل القانون من العالم لحصلت تلك الدول على آثار عولمة المواد الدستورية بالاتجاه المقبول.

وفي النهاية... فإن انغماسنا في نظريات التنمية البشرية، وبحثنا المستمر عن الوصفة المناسبة لإدارة الموارد البشرية لن تنجح إلا بتقبلنا لقوى التغيير وتوجيهنا للثورة المعلوماتية بشكل إيجابي وتمكين الشباب من المبادرات، لكن باستمرارية وبعيدا عن المزاجية.

كلمة أخيرة: من الملاحظ أخيراً المبالغة في التكريم وتوزيع الدروع في المؤتمرات، ليس للمحاضرين فحسب إنما للأصدقاء والأحباب الذين جاؤوا على حساب راعي المؤتمر للفرجة... وسامحونا.