«جمالي في الصور»، هو الديوان الـ13 للشاعرة الإماراتية ميسون القاسمي التي هي بذات الوقت فنانة تشكيلية أقامت 6 معارض تشكيلية مختلفة في أماكن متعددة بدءا من القاهرة وحتى باريس، كما ان لها رواية باسم «ريحانة» وفيلما قصيرا حصل على جائزة لجنة التحكيم في أفلام الإمارات.

Ad

ميسون القاسمي، فنانة متعددة المواهب استطاعت أن تحفر لاسمها مكانة ووجودا متميزا في القاهرة التي تعج وتكتظ بالمبدعين والموهوبين، وليس من السهل أن يكون للمرء وجود فيها ما لم يكن صاحب إبداع حقيقي وموهوب.

وديوان «جمالي في الصور» جاء عكس ما توقعته، فاسمه جرني إلى منطقة بعيدة عن محتواه، فقد توقعته ديوانا خفيف الدم يتميز بلقطات مرحة تشبه ديوانها «عامل نفسه ماشي»، وهو بالعامية المصرية المحقونة بالمشاهد العفوية المرحة، إلا أن هذا الديوان كان الصورة المعاكسة والمخالفة لما توقعته منه، فهو محمل بتأملات روح مثقلة بوعيها الإنساني وتساؤلاتها المعرفية وتذوقها للخبرات الحلوة والمرة، السعيدة والتعيسة في حياة مهرولة على عجل، ووجود ذاكرة إنسان ليست إلا حركة حبة رمل في كون شاسع، لا تؤخر ولا تقدم شيئا، فالكون غير معني بها خارج حركت سياقه الكوني كما عبرت عنه ميسون في هذه اللقطة: «وقفت على الشباك/ انتظرت/ سهمت في السراب كشيء يمر/ ولا يترك أثرا/ أثري في الحياة في مهب الريح».

ديوان ميسون القاسمي الرائع هذا مقسم إلى عدة أجزاء يمكن وضعها في عدة دواوين لكبر حجم هذا الديوان، فقصائد الجزء الأول المعنون باسم «عيون تتبعني في المنام» تخص ثورة 25 يناير في مصر، الجزء الثاني المعنون باسم «العابرون إلى الرؤية» الذي يدور في عمق تساؤلات وجودية روحية صوفية، مثلما كتبتها في قصيدة سرك التي تقول فيها: «بنقطة من الحبر الذي رشق الورقة وانهمر بالكلام،/ يسري سرك في دوام البدء الذي لا ينتهي». وكتبت في قصيدة طريق العابرين: «وجدت الليل / وجدت قلبي فارغا / وجدتني وحيدة / قلبي تناثر في الطريق / طريق العابرين إلى الرؤية».

أما الجزء الثالث المسمى بـ»الغياب جاء» يدور حول الربح والخسارة في الحب وهو ما تمثله قصائد هذا الفصل، ومنه هذه القصيدة: «كلما نظرت إلى مشاجراتنا الصغيرة أقول: لا يمكن أن أظل في عالم من الكرتون/ كلما هممت أن أضغط عليه كي يتهشم/ وجدت روحا بحجم نملة تتنفس داخله، فأنتظر».

كما كتبت: «لو قسمت نفسي/ وأشعلت شوقي في نصف/ لا يمكن أن تكون أنت/ إلا حريقا دائما:.

الجزء الرابع من الديوان المسمى بـ»لا مرارة بيننا» هو مكمل للجزء الثالث ومعني بفراق المحبين مثل ما كتبته: «لا مرارة بيننا/ إلا أنها المصادفة وحدها/ خلقت مرارتها فينا/ سكبتنا في الضغينة/ لكنها مرارة الذكرى حين تمر/على عاشقين/ يتذكران حالهما في السعير».

أما الجزء الخامس والمسمى بـ «عالقة في الرف الأخير من حلاوة الروح» فيتعلق بتساؤلات الخوف والألم، وهو ما جاء في هذه الصور: أهرول مشلولة الحركة/ لا تبح فتظهر ولا تكتم فتشف/ أينما حللت تكن شبحا/ خذ ما تشاء واترك ما تشاء/ فإنك مسحور بما تأخذ، مرصود لما تترك».

أما الجزء الأخير فهو المعنون بـ»جمالي في الصور» ومنه هذه القصيدة: «أشيائي الكثيرة/ عناقيد العنب الموسمي/ أدراجي وأوراقي وملابسي/ أحلامي وأوهامي وأسراري/ كلامي وصمتي ونزواتي/ صراخي وعجزي وعثراتي/ كلها عند باب عمري الذي/ ينفتح الان على الأهوال».

«أطل على نفسي، أُطيل النظر/ مغدورة كنت/ ولا أزال».

ميسون القاسمي في هذا الديوان الكبير في الحجم والقيمة الذي كشف عن نضوج في الفكر واشتغال كبير على تعميق المعنى الوارد أصلا من التجربة العقلية والروحية والجسدية والنفسية التي أثرت في التفاصيل والأحاسيس الحية النابضة بالصدق والنابضة بالألم.

ديوان توقعت أن يمنحني بهجة المرح وإذا به ينقلني إلى الضفة الأخرى المعاكسة لها، وهي نقلة أخرى لاكتشاف شعر آت من وجع الروح ونزيف تساؤلاتها وإحباطاتها ومسراتها وأفراحها وأحزانها.