أشعر بقلق
![حسن العيسى](https://www.aljarida.com/uploads/authors/25_1682522445.jpg)
أشعر بالقلق لأن الكثير من الطائفيين من المفكرين والمنظرين ليس لهم من حديث غير الصفوية ومؤامرات الصفويين على دولتنا ودولنا، وكأن ثلث أهل الكويت من المواطنين الشيعة تنتهي أسماء عائلاتهم بالصفوي، فهذا جعفر الصفوي، وذاك عبدالرضا الصفوي الرافضي، وفلان من الناس جاء إلى الكويت بالبحر عن طريق التهريب... والحساب عليكم! أشعر بالقلق، لأن معظم أخبارنا اليومية صارت مكبّلة بالأصفاد ومحروسة بالزنازين، فبين يوم وآخر أقرأ حكماً بحبس مغرد، أو خبراً آخر عن زيادة العقوبة عليه، أو محاكمة جزائية لنائب سابق تحدث بقوة وفضح القليل من جبل الفساد العائم في خليجنا الملوث.أشعر بالقلق، لأن الكثيرين من شعبنا ومن فريج "يارب لا تغير علينا... ومو ناقصنا شي... والكويت فيها كل شي" لا يقلقون، ولا يجزعون من الغد، ليس عندهم غم ولا هم غير المعارضة ووجودها وخلافاتها وحلمهم المريض بنهايتها، ينامون على وسائد ناعمة من اليقين والراحة النفسية... هو يقين وراحة، فـ "ذو العقل يشقى في النعيم بعقله ... وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم"، رحم الله المتنبي... فهم أهل الجهالة وأبناء الكسالى. أشعر بالقلق لأن أم الدنيا، وأقدم دولة في العالم مصر تحيا على كف عفريت، فالمصريون المتسامحون بالعادة، لم يعد كثير منهم متسامحاً. نقلنا لهم عدوى التعصب الديني مع معونات النفط، فالأقباط صاروا عقدة الأمة المصرية الإسلامية، والاعتداء على الكنائس أصبح جهاداً دينياً مفروضاً. أشعر بالقلق من الدماء التي تسيل كالأنهار بسورية، أشعر بالقلق بعد أن تحوّلت معركة الحرية ضد نظام طاغٍ إلى معركة الطوائف وذبح على الهوية، وأضحى الوطن السوري لبناناً كبيراً، وقد تُنقل حرب المذاهب لدولنا. فلدينا أطنان ثقيلة من العقول المغلقة، ليس بها حتى نقطة صغيرة من فضيلة التسامح. أشعر بالقلق من العراق، الذي لم يعد عراقاً واحداً بل عراقات، وأرضاً للتفجيرات الانتحارية، وحكومة بإدارة غارقة في الفساد والممارسة الطائفية. أشعر بالقلق من حال الحريات بدول خليجنا وتطلعات شعوبها إلى المشاركة السياسية، فهي تمعن اليوم في مصادرة الرأي الآخر، وتحبس وتقمع الناشطين السياسيين، وتظلم أغلبيات مقهورة من الفقر والبؤس. أشعر بالقلق والحيرة، لأني لا أستطيع الكتابة في أمور كثيرة، فهناك القوانين التافهة التي تحاسب على كل صغيرة وكبيرة تجول في الرأس، وهناك الأسوأ من تلك القوانين الرسمية، المتمثلة بالقوانين الاجتماعية "وطابو" المحرمات والمنكرات... كلها زرعت الرقيب الذاتي في رأسي. أشعر بالقلق، من هذا الربيع المغبر، وأقلق أكثر منتظراً ربيع الأزهار... متى يأتي لصحارينا الجرداء...؟ في يوم في شهر في سنة... "أين حليمو وسأكمل" في عقد... في عقدين... في قرن... في قرنين... لا نهاية للزمن!