«في السياسة والحرب والإدارة» لمحمد أبو ساق... أفكار نحو دولة معاصرة

نشر في 27-02-2013 | 00:01
آخر تحديث 27-02-2013 | 00:01
No Image Caption
صدر حديثاً لدى دار «طوى» كتاب «في السياسة والحرب والإدارة» للباحث والمفكّر محمد أبو ساق. يهدف الكتاب إلى الإسهام في تثقيف المجتمع من خلال فهم القضايا والأحداث السياسية التي تتحول إلى فعاليات حربية وأمنية وتستحق إدارة أفضل، في كل مرة، لتتراكم المعارف وتنتج الخبرات المناسبة.
يقدم كتاب محمد أبو ساق أمثلة هي بمثابة أدوات معرفية تسهم في تسليط الضوء على غيرها من الأمثلة في تحليل المخاطر الراهنة والتهديدات والتحديات المستقبلية ورفع كفاءة الجبهة الداخلية، مع التركيز على أن البيئة السياسية اليوم لا تنفصل حوادثها الكبرى عن الماضي القريب. كذلك تركز موضوعات الكتاب على أن القدرات المستقبلية تتأثر بمدى جهوزية اليوم ومدى المعرفة بالماضي، مع القدرة على تحليل الحملات الحربية والأزمات واستخلاص الدروس المناسبة لجعل المستقبل أفضل من الحاضر.

يحاول المؤلف تقديم رؤيته الشخصية المبنية على تجربته وملاحظته لقضايا استراتيجية، محلية وإقليمية وعالمية التي يعتقد أنها تمثل أزمات متلاحقة وحروباً مقبلة، لذلك تحتاج إلى مزيد من المناقشة والتحليل، لأنها تعرض لشؤون استراتيجية قائمة ومتكررة وتتطلب مزيداً من تسليط الضوء عليها.

ليست الحرب سوى استمرار للسياسة بوسائل أخرى، لذا يعرض الكتاب لمفهوم الحرب ومستوياتها بأسلوب واقعي يسهم في تعريفها وجعلها أكثر فهماً،  أيضاً يتضمن الكتاب شؤوناً وطنية لها علاقة بالسياسة والحرب، تدخل إدارتها في مجال السياسة وتسهم في خدمة المجهود الحربي.

سياسة وحرب

في الأبواب الثلاثة الأولى موضوعات في السياسة والحرب بينها ارتباط وثيق كون السياسة مؤثرة في نشوء الحرب ومسارها وتوقفها. فمن عرض مفصل لمفهوم الصراع غير التقليدي بما فيه من أسس حربية ومنطلقات سياسية إلى علاقة القوة العسكرية بالجهوزية الحربية والقتالية بما يتناسب وطبيعة التهديدات المستقبلية. كذلك تتضمن الفصول الثلاثة عرضاً للبيئة السياسية وما فيها من مخاطر وتهديدات، ونصوصاً تجعل القارئ أكثر إدراكاً لما يحدث من أزمات وحروب متلاحقة.

في الباب الرابع موضوعات تدخل تحت مفهوم الإدارة الاستراتيجية التي تصبّ في مجال إدارة الدولة، عبر نماذج تسهم في رفع الكفاءة الوطنية وتحسين بيئة العمل عسكرياً ومدنياً. أما الباب الخامس فيحتوي نماذج للدراسات الاستراتيجية المليئة بالأمثلة التاريخية الواقعية التي تكمل غاية الكتاب.

عناوين

السياسة والحرب والإدارة، ثلاثة عناوين بينها قواسم مشتركة، وفي كل منها معطيات سياسية وحربية وإدارية، وفيها موضوعات حية ومهمة لها تأثير في حياة الناس، خصوصاً أن عالمنا شهد تحولات خلال العقدين الأخيرين ولا يزال، إذ تداخلت الشؤون المحلية في الإقليمية والعالمية بصفة غير مسبوقة، وكان لثورة المعلومات والاتصالات أثر على مجريات الأمور ما قلل المسافة بين مستويات الحرب الثلاثة: الاستراتيجي والعملياتي والتكتيكي، وقد  دفعت هذه المعطيات المهتمين بالشؤون الاستراتيجية إلى النظر إلى فن الحرب بمنظور سياسي وإداري أكثر من ذي قبل، وأصبح من الصعب النظر إلى كل منها بمفرده.

جبهة داخلية

يشير الكاتب في سياق كتابه إلى أن الحروب في محيطنا الإقليمي ما دامت لم تضع أوزارها والأزمات تنشأ من فترة إلى أخرى، على الجبهة الداخلية أن تحرص على ثباتها واستقرارها وتماسكها وجهوزيتها تحسباً للمفاجآت. مثلما تُستهدف الجبهة الداخلية بالحرب النفسية والإشاعات فقد تكون هدفاً لبعض أساليب التخريب والحوادث المفتعلة. ويتعين أن يكون الجميع على قدر من الوعي والمسؤولية لاتباع قواعد الأمن والسلامة عند وقوع الخطر، وأن يكون المواطن عامل مساعدة لا عامل إرباك لرجال الأمن والخدمات الصحية وغيرها من الخدمات أو للآخرين أثناء الحوادث أو الأخطار.

لا ينتهي دور الجبهة الداخلية في حال انتهاء الأزمة واندحار العدو، فهي تدفع بالأبطال إلى مقدمة الصفوف، وتحفز أبناءها وتكرم الشهداء وتفخر بالتضحيات. ويجب أن تبقى محفزة وصامدة، لأنها ستظل مستهدفة بالحرب النفسية أو بعض أشكال الإرهاب وبالتحريض على نشر التفرقة وبعث الفتن بخطاب مسموم يستغلّ ما في البلاد من تعددية فكرية ويتسلل عبرها.

تحديات الولاء للقبيلة أو الوطن

يعتبر أبو ساق أن العشيرة والقبيلة والأسرة مكونات حتمية تفرض نفسها في كثير من مجتمعات العالم، خصوصاً في بلاد العرب وفي إفريقيا. ثمة تحديات اجتماعية تفرض نفسها على مسارات الأحداث وفي مسارح العمليات الإقليمية عموماً، ويعتبر بعد القبيلة أو قربها من الحدث أهم مؤشرات نجاح الحدث أو فشله. وكلما كانت الأنظمة المدنية أقل وجوداً أو تنفيذاً كلما كانت الفعاليات الاجتماعية غير الرسمية أقوى وأكثر بروزاً وتأثيراً.

وفي الدول المتقدمة التي ضعفت فيها الصلات الاجتماعية أو تقطعت، نجد لديها حاجة بارزة إلى نوع من الانتماء الاجتماعي، فيتم ذلك عن طريق الأندية الاجتماعية المغلقة على أصحابها. ورغم الفارق الكبير بين الأندية الاجتماعية ومفهوم الانتماء القبلي، إيجاباً وسلباً، إلا أنها تتفق في إيجاد منظومة اجتماعية للاتصال والتعارف وتقديم خدمات لأعضائها أحياناً. وفي كثير من البلدان ذات التركيبة القبلية يمكن الإشارة إلى أن القوى القبلية، سواء كانت أفراداً أو مجموعات، أدّت أدواراً فاعلة في استقرار بلدانها. والقبيلة في واقعها، بنية تحتية رائعة للمجتمع المسالم والمحب للأمن والاستقرار والازدهار متى تضافرت الجهود وارتقى الجميع لصالح الوطن ككيان سياسي واجتماعي واحد.

لكن يرى المؤلف أن ثمة دوائر وقوى وطنية ومؤسسات عسكرية وغيرها من فعاليات مدنية تمثل كل الوطن وكل المجتمع، وأي تصرف تتبناه القوى الاجتماعية المدنية خارج إطار العمل القبلي يعدّ أكثر قبولاً من الانفراد عبر الزعامات القبلية للعمل في مناورات حربية في مسارات أحداث الوطن.

يؤكد أنه من الخطورة انفراد أي قوى اجتماعية بقرارها الوطني، خصوصاً في ظل الأزمات، استناداً إلى تطلعاتها ومصالحها ورؤاها، لما يشكل ذلك من ابتزاز ومساومة ومحرض مستقبلي لسباق الأفعال والتصرفات المشابهة المضرة بأمن الوطن وسلم المجتمع. وحين تتجاذب القوى المحلية، استناداً إلى معطياتها الحربية والمادية والبشرية غير الحكومية، سعياً إلى أهداف ذاتية فإن ثغرات كبيرة تنشأ في جسد الوطن وأطواق دفاعاته، ومثلها، جسور وطنية أخرى تتكسر أو يصعب العبور الوطني الآمن من خلالها، وتتفرق المسؤوليات وتتعقد الحلول ويبرز لاعبون آخرون لهم أجندات ورؤى مختلفة، قد تكون أكثر شراً وخطراً.

back to top