كان من المقرر يوم صدور هذا المقال أن يصوت المشرعون في مجلس النواب الأميركي على قانون فرض عقوبات جديدة على إيران. يهدف هذا القانون إلى خفض صادرات النفط الإيرانية بنحو مليون برميل إضافية خلال السنة المقبلة. أيدت لجنة الشؤون الخارجية التابعة لمجلس النواب الأميركي بالإجماع هذا القانون، ومن المتوقع أن يحصد دعماً كبيراً من الحزبين في مجلس النواب. وهكذا يرسل هذا المجلس إلى النظام الإيراني الرسالة المناسبة في الوقت الملائم بالتحديد.
يُظهر دعم الحزبين القوي لعقوبات أكثر تشدداً إدراكاً واسعاً أن حل المسألة النووية الإيرانية بالطرق الدبلوماسية لن ينجح ولن نتمكن من تفادي توجيه ضربات عسكرية إلى المنشآت الإيرانية، إلا إذا أقنعنا علي خامنئي بأن دفق النفط الذي يحتاج إليه ليحافظ على نظامه قد ينقطع. سبق أن أقر مسؤولو الجمهورية الإسلامية أن عائدات النفط الإيراني تراجعت بنسبة 45 في المئة منذ عام 2011 جراء العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي.لكن بعض المراقبين يؤكدون أن توقيت العقوبات الجديدة يُعتبر الأسوأ لأنه يُرسل الإشارات الخطأ إلى رئيس الجمهورية الإسلامية الجديد الذي يوصف بالمعتدل، والذي سيتسلم منصبه في الثالث من أغسطس. ويشدد هؤلاء المراقبون على أن الرئيس المنتخب حسن روحاني يمثل الأمل الأخير للتوصل إلى حل دبلوماسي لهذا الخلاف النووي. لكن وجهة النظر هذه تستند إلى مفاهيم مغلوطة يجب ألا تخدع صانعي السياسات الأميركيين.من أبرز هذه المفاهيم المغلوطة أن من الممكن التوقع من رئيس جديد "معتدل" أن يفي بوعود حملته ويتبع "سياسة سلام ومصالحة"، فيحل بالتالي النزاع النووي الذي يمر بحالة جمود منذ عشر سنوات. عُرف ستة من المرشحين الرئاسيين السبعة بتشددهم، في حين اعتُبر المرشح السابع، حسن روحاني، "معتدلاً". كان روحاني عضواً في "مجلس الخبراء" منذ عام 1999 وفي "مجلس تشخيص مصلحة النظام" منذ 1991، وسكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي منذ 1989، ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية منذ 1992. لكن كل هذه الهيئات تخضع لإشراف مباشر من مكتب القائد الأعلى وكل أعضائها أتباع أوفياء وموثوق بهم لعلي خامنئي. علاوة على ذلك، يُظهر الواقع في الدولة الإيرانية الخاضعة لسيطرة خامنئي أن ما من "مُصلح" أو "متشدد" تبوأ منصب الرئاسة على مر السنين أدى دوراً في المفاوضات النووية، فلطالما كان القرار الحقيقي بشأن استراتيجية التفاوض النووية ولايزال في يد القائد الأعلى، الذي ورث صلاحيات مطلقة في شؤون إيران كافة عندما خلف الخميني عام 1989.أظهر التاريخ خلال العقد الماضي أن فرض العقوبات على النفط وحده يؤثر في تصريحات خامنئي العلنية، فكم يؤثر في سلوكه؟ عقد الاتحاد الأوروبي ومن ثم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سلسلة من المفاوضات مع ممثلين إيرانيين طوال سنوات، محاولين التوصل إلى اتفاق لفرض قيود على برنامج الجمهورية الإسلامية النووي وللحؤول دون تطويرها ترسانة نووية. فتعمد خامنئي باستمرار إطالة المفاوضات بتحديده شروطاً مسبقة غير منطقية وغير مقبولة. وهكذا تمسك خامنئي برفضه، حتى إن دميته الرئاسية، محمود أحمدي نجاد، شبه برنامج إيران النووي بقطار من دون مكابح. لكن العقوبات البسيطة التي تبناها مجلس الأمن خلال مسار هذه المفاوضات أثرت في الشعب الإيراني أكثر من تأثيرها في النظام، علماً أن هذا الأخير تجاهلها معتبراً إياها مجرد أوراق ممزقة. وهكذا تابع البرنامج النووي تقدمه بسرعة قصوى، فيما استمرت مليارات الدولارات من عائدات النفط بالتدفق إلى خزائن النظام.يتضح مدى اهتمام خامنئي بخير الشعب الإيراني من خلال سجل النظام المريع في مجال حقوق الإنسان. فعندما قرر الإيرانيون التعبير عن معارضتهم لسياسات خامنئي عام 2009 ونزل نحو ثلاثة ملايين إيراني إلى شوارع طهران للتظاهر، وصفهم رئيس خامنئي المنتخب آنذاك، أحمدي نجاد، بـ"التراب والغبار"، وهي تعبر عن نظرة مهينة إلى الشعب الإيراني يتشاطرها قادة النظام. نتيجة لذلك، سحقت قوات خامنئي الأمنية بعنف التظاهرات السلمية ما بعد انتخابات عام 2009. فلقي متظاهرون مسالمون كثر حتفهم في الشوارع والسجون. كذلك ألقي القبض على الآلاف، ومازال كثيرون منهم محتجزين حتى اليوم.فيما راح نظام خامنئي يكدس عائدات النفط الكبيرة خلال سنوات عهد أحمدي نجاد الثماني (أكثر من 800 مليار دولار)، ازداد الشعب الإيراني فقرا. فلم تُستخدم أموال النفط المتدفقة إلى جيوب النظام لإطلاق برامج محلية تهدف إلى التخفيف من عبء الشعب الإيراني أو حتى تمويل التحسينات الملحة في قطاع النفط. على العكس، تنامى فساد النظام ليبلغ حداً لا مثيل له. فقد أشارت التقارير إلى نحو 250 حالة اختلاس في غضون سنة واحدة، شملت الكبرى بينها مبلغ 3 مليارات دولار. كذلك تُعتبر الحكومة السورية، وحزب الله، وغيرهما من الحكام المستبدين والمجموعات الإرهابية المستفيدين الأكبر من كرم خامنئي، بخلاف الشعب الإيراني.تبرهن الأدلة حتى اليوم أن فرض عقوبات قاسية على النفط وحده يؤثر في تصريحات خامنئي العلنية وسلوكه. فبعد مرور سنة واحدة على فرض الولايات المتحدة عقوبات على قطاع النفط الإيراني، بدل خامنئي لهجته في انتخابات عام 2013. أولاً، قدم للشعب الإيراني لائحة تضم سبعة مرشحين رئاسيين اختارهم "مجلس صيانة الدستور"، وطلب منهم التصويت "حتى لو كانوا لسبب ما يعارضون النظام". أقدم خامنئي بعد ذلك على خطوة جريئة أخرى بإعلانه أنه ليس متفائلاً بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، إلا أنه لم يرفضها أيضا خلال السنوات الماضية في مسائل محددة، مثل العراق. وهكذا ألمح خامنئي إلى أنه لا يعارض التفاوض مع "الشيطان الأكبر". لكنه في الخطاب ذاته أوضح أن المفاوضات النووية يجب أن تتواصل بطريقة تسمح بالمضي قدما في البرنامج النووي من دون أي عائق.إذاً، ما من وسيلة دبلوماسية يُحتمل أن تنجح في التعامل مع نظام خامنئي غير قطع مصدر عائداته بفرض عقوبات على النفط. فقد أظهر خامنئي أن نظامه لن يبدل سلوكه مطلقاً إلا عندما يواجه ضائقة مادية. وإن لم يظن خامنئي أن وصول سياسي يُعتبر معتدلاً إلى سدة الرئاسة لن يؤخر فرض عقوبات أكثر تشدداً على النفط، مما قد يحد من عائداته المالية، فلا نملك أي أمل بحل النزاع النووي دبلوماسياً في المستقبل القريب. ولا شك في أن تأييد ممثلي الحزبين في مجلس النواب الأميركي فرض عقوبات أكثر تشدداً على النفط الإيراني سيبعث إلى طهران بإشارة واضحة إلى أن من مصلحتها حل المسألة النووية دبلوماسياً وفي القريب العاجل.G. William Heise & Amir Abbas Fakhravar*هيزر، مسؤول سابق في مجلس الأمن القومي في عهد ريغان، يعمل راهناً مستشاراً للمعهد الإيراني للحرية واتحاد الطلبة الإيرانيين. أما فخرافار، فرئيس المعهد الإيراني للحرية والأمين العام لاتحاد الطلبة الإيرانيين، وكان سابقاً أحد سجناء النظام الإيراني السياسيين، وهو راهناً باحث ومحاضر زائر في معهد السياسات العالمية في العاصمة الأميركية واشنطن.
مقالات
المضي قدماً في فرض عقوبات أكثر تشدداً على النفط الإيراني
05-08-2013