المقاطعة بين الصواب والخطأ

نشر في 08-03-2013
آخر تحديث 08-03-2013 | 00:01
 د. محمد لطفـي لا حديث في مصر الآن إلا عن الانتخابات أو بالأحرى عن مقاطعتها، وهذه عجيبة من عجائب مصر أن يكون الحديث عن مقاطعة حدث ما أعلى صخباً وأكثر ضوضاءً من الحدث ذاته!

والحديث عن المقاطعة متشابك ومتداخل ما بين فقدان الشرعية "نتيجة المقاطعة"، والتزوير "سبب المقاطعة"، والضمانات "تبرير المقاطعة"، وأصبح هذا الحديث أشبه بـ"بكرة الخيط" التي تلهو بها القطة في المنزل، وكلما زاد لهوها زاد تشابك الخيوط وتداخلها، ولا يمكن أن تعيد لفّ البكرة مرة أخرى إلا إذا أمسكت ببداية الخيط.

ولنبدأ بفقدان الشرعية؛ كما هو معلوم، فالانتخابات استحقاق دستوري، أي حدث ينظمه الدستور وتفسره القوانين، فأين المادة التي تتحدث عن فقدان الشرعية نتيجة المقاطعة؟ هل هناك مادة في الدستور تنص على حتمية مشاركة أحزاب المعارضة- مثلاً- كي تكون الانتخابات شرعية؟ هل هناك نص قانوني يبطل الانتخابات في حال مقاطعة البعض لها؟

الحقيقة أنه لا توجد أي مادة دستورية أو نص قانوني يذكر فقدان الانتخابات للشرعية في حال مقاطعتها ترشحاً أو انتخاباً "إلا إذا كان ذلك بنسبة 100% وهذا هو المستحيل بعينه"!

من ناحية التزوير؛ فمنذ ثورة يناير 2011 تم بالفعل 5 استحقاقات دستورية (2 "استفتاء"، و3 انتخابات لـ"الشعب" و"الشورى" و"الرئاسة") وفي جميعها كانت هناك اتهامات بالتزوير وقضايا ترفع وحوارات ونقاشات وادعاءات... إلخ. وصخب وضوضاء وصوت عال بشأن التزوير، لكن رغم عشرات القضايا لم يصدر حكم محكمة واحد (مع ملاحظة موقف القضاة ضد "الإخوان" و"الرئاسة") يثبت التزوير. وأقصى ما قيل وبالنص "كانت هناك بعض التجاوزات في العملية الانتخابية لا ترقى إلى درجة التزوير المتعمد ولا تؤدي لبطلان الانتخابات". وهكذا يصبح الحديث عن التزوير محض خيال يتكرر دائما (من الطرف الخاسر) ولم يثبت يوماً ما.

أما ثالث المتشابكات فهو الحديث عن الضمانات؛ وكما هو معلوم فالضمانات إما أصلية "بنص الدستور" كالإشراف القضائي الكامل، وإما إضافية "ينظمها القانون" كالرقابة الدولية والمحلية وكلاهما- الأصلي والإضافي- تمت الموافقة عليه، أما ما يذكر عن بقية الضمانات فهي طلبات- يراها البعض أوامر- بلا سقف محدد، وكلما توافرت واحدة استجدت أخرى كالحديث عن الحكومة المحايدة ولا أدري من يحكم مثلاً بحيادها؟... (الجيش ذاته الآن يتهم بالأخونة!) لذلك فالحديث عن الضمانات طبل أجوف عالي الصوت عديم النفع والقيمة.

إذا كانت تلك- باختصار شديد لمساحة المقال- هي الخيوط المتشابكة في "بكرة الخيط" فأين بدايتها؟

إن "بداية الخيط" مع كل الاحترام والتقدير لشخوص المعارضة والأصدقاء منهم هو خوف المعارضة من فقدان تأييد الناخبين، ومن ثم عدم حصولها على عدد من المقاعد يتناسب مع قوتها الكبيرة إعلامياً وفضائياً مما يفقدها الكثير من المصداقية داخلياً وخارجياً وينزع عنها ورقة التوت الوحيدة الباقية على جسدها.

لذلك كان قرار المعارضة المقاطعة... فهل كانت المعارضة على صواب كي لا تفضح نفسها؟ أم على خطأ في مبرراتها الواهية وترك الساحة للإسلام السياسي منفرداً؟

*ملاحظة مهمة:

 لمن يصرون على خلط الأمور وتشابك الخيوط أقول بكل وضوح: رفض أسلوب المعارضة وسلوكها لا يعني على الإطلاق تأييد الرئيس والحكومة في قراراتهما... هذا للعلم والاطلاع.

back to top