بعد الأحداث التي وقعت في مصر خلال الأسبوع الماضي، يتجادل البعض في واشنطن حول صوابية وصف الانقلاب الذي حصل بـ"الانقلاب"، لكنّ ثمة سؤال أفضل: هل كانت الثورة التي أسقطت حسني مبارك في عام 2011 ثورة حقيقية؟ لنفكر بوضع مصر قبل سقوط مبارك وبعده، ووضعها الراهن، فقبل الربيع العربي، كان الجيش أهم هيئة سياسية في مصر وكان القوة التي ترسخ الاستقرار في بلدٍ يضم سياسيين ضعفاء وحكماً أضعف. لكن لم يتغير ذلك الوضع مطلقاً، بل إنه لم يتغير منذ 60 سنة.
عمد الجيش نفسه إلى إسقاط محمد مرسي نزولاً عند رغبة الشعب أو رغبة الجيش نفسه، فلا أهمية للسبب في مطلق الأحوال، رحل مرسي ولا يقدم الدستور طريقة فاعلة لمراقبة أداء الجيش، ولا يزال مصير البلد بيد بعض الجنرالات المنتقين.عند النظر إلى مستقبل مصر القريب، لا نجد أي خيارات واعدة، ما الخيار الأقل سوءاً بالنسبة إلى مصر؟ باكستان... إذا حالفها الحظ! الوضع الراهن في مصر سيئ لدرجة أن التشبّه بباكستان هو خيار جيد وواقعي في المستقبل القريب، أما الاحتمال الأسوأ فهو فشل الدولة التام.تتوقف النتيجة على الجيش، إذ يحمل الوضع المصري أصلاً نقاط شبه مع وضع باكستان، حيث يُعتبر الجيش قوة مركزية لها شعبية واسعة وأبرز قوة اقتصادية محلياً. في البلدين معاً، يدرك الجيش أن إدارة البلد (أو الإيحاء بإدارة البلد على الأقل) هي أسوأ طريقة لترسيخ النفوذ تزامناً مع تجنب السخط العام حين تسوء الأمور.اليوم، يتعلق الاختلاف الأبرز مع جيش باكستان بواقع أن الجيش المصري يُعتبر الآن مسؤولاً عن شؤون الحكم اليومية. سيطبق الجنرالات مجدداً مقاربة معتدلة لتشكيل حكومة مدنية، علماً أن هذه المقاربة ليست قوية جداً ولا ضعيفة جداً، لكن يجب أن تكون صارمة بما يكفي كي تثبت كفاءتها (في هذا المجال تحديداً فشل مرسي و"الإخوان المسلمون") ومرنة بما يكفي كي لا تهمّش الجيش أو تكبح امتيازاته. أهم ما في الأمر هو أن الحكومة الجديدة يجب أن تبدو مستقلة بما يكفي كي تتحمل اللوم على أي مشاكل اقتصادية، فآخر ما يريده الجيش هو أن توجه الموجة المقبلة من المحتجين غضبها ضد المؤسسة العسكرية.هل يمكن أن ينجح الجيش في مساعيه؟ هل يستطيع دعم حكومة تحظى بما يكفي من ثقة الشعب لإعادة ترسيخ الاستقرار في البلد وتسمح للجيش بإبعاد نفسه عن الإدارة الاقتصادية والسياسة المحلية؟ تتعدد العقبات التي تلوح في الأفق. بعد إقدام الجيش على قتل أكثر من 50 محتجاً من مؤيدي مرسي، من الواضح أن الشرخ يتنامى بين "الإخوان المسلمين" والقوات المسلحة. ليس مستبعداً أن يدعي الجيش أن جماعة "الإخوان" بدأت تتحول إلى حركة متمردة وأن يقرر مجدداً جعل الحزب غير قانوني كما كان في عهد مبارك.يبدو أن الجيش يسابق الوقت، فقد حددت الحكومة الانتقالية الموقتة جدولاً زمنياً يصعب الالتزام به لإجراء انتخابات جديدة. وفق المهلة الزمنية التي تقتصر على ستة أشهر، لم يبقَ إلا أربعة أشهر لإعادة صياغة الدستور، لكن من المتوقع أن تأخذ هذه العملية مدة أطول. يبدو أن نشوء صراع أهلي مطول أصبح احتمالاً حقيقياً وأقرب إلى الواقع.لكن يجب ألا نستبعد احتمال نجاح الجيش، فغداة الانقلاب، وجّه بلدان خليجيان داعمان (المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) رسالة واضحة عبر توفير الإعانات المالية. أثبتت المساعدات التي وصلت إلى حدود 8 مليارات دولار أن الجيش هو أفضل رهان لضمان استقرار البلد الذي يبقى أكبر من أن يفشل.لا شك أن نموذج باكستان يُعتبر متدني المستوى في مجال الحكم. إذ واجهت باكستان مشاكل على مستوى الأمن الداخلي وأنهت حكومة منتخبة ديمقراطياً ولايتها كاملة بنجاح للمرة الأولى هذه السنة. يبرز اختلاف آخر بين مصر وباكستان، وهو يترافق مع مخاطر ومكافآت كبرى: ثمة مجتمع مدني نافذ ومؤثر وناشط، فكانت حركة "تمرد" التي قادها المحتجون هي التي سهّلت إسقاط مرسي، وقد أدى حراك مدني مماثل إلى إسقاط مبارك أيضاً.هذا المجتمع المدني الناشط هو الذي يعقّد مسار الجيش في خضم سعيه إلى الانتقال من الوضع الراهن إلى نموذج الحكم الباكستاني. قد تبقى مصر بعيدة عن تنظيم انتخابات ديمقراطية كتلك التي نحتفل بها في الأسواق الناشئة مثل البرازيل وتركيا، لكنها تشمل نوعاً مشابهاً من المجتمع المدني وهو يستطيع مستقبلاً إرساء نظام مماثل.في غضون ذلك، أفضل ما يمكن أن نأمله هو أن يُحكم الجيش قبضته على البلد وأن يستطيع تجنب أزمة عنيفة قبل انطلاقها تمهيداً لنشوء حكم قابل للصمود.* إيان بريمر | Ian Bremmer
مقالات
نموذج باكستان... هل هو أفضل ما يمكن أن تتمناه مصر؟
16-07-2013