«علّي صوتك بالغُنا...

Ad

لسّه الأغاني ممكنة!»

هذا ما بشّرت به أغنية للمطرب المصري محمد منير في زمن ما،

إلا أن الأغاني الممكنة لدينا في الوطن العربي من أدناه إلى أقصاه، وخاصة ما يسمّى بالأغنية الوطنية (إذا استثنينا الأغنية الوطنية في مصر)، لا تمطر بشائر من أي نوع... إنها لا تحمل أصواتنا، إنها فقط تحمل الرماد، لذرّه فوق أصواتنا!

الأغنية الوطنية لدينا أشبه بنشرة أخبار رسمية تم «تنغيمها»، ولا ينقصها سوى المرور على أحوال الطقس في نهايتها، وربما أخبار الوفيات التي بالتأكيد لو أنها فعلت لكنا نحن المستمعين على رأس قائمتها!

كثيرا ما وقفت على أغانينا الوطنية، وهالني أنه لا حياة فيها، ولا نبض، ولا إحساس، ولا صدق، ولا حتى حب، مجرد كلام بلا طعم، وغالبا «قرقعة» طبول وإيقاعات مزعجة، ظن مبدعها أنها تثير الحماس!

الفن هو مرآة الناس، إنه صورة أرواحهم التي تظهر علناً، ليس من السهل تزويرها، وتفشل كثير من عمليات «الفوتوشوب» وتقنية التصوير في إحداث فارق كبير بين الصورة والأصل، فإذا كان الأمر كذلك فنحن أمام إشكالية خطيرة تطال مشاعرنا الوطنية، ولا أقصد هنا طريقة التعبير عنها، لكن في المشاعر ذاتها، إذا كانت أغانينا الوطنية تشبهنا فنحن في مأزق «وطني»، إذا كيف نصوّر الوطن بهذه الصورة المثالية بالأغاني نهاراً، بينما نهمس خيباتنا كلاما تحت ستار الليل؟!

هذه الازدواجية داخلنا هي التي جعلت أغانينا تحمل مشاعر بلا روح، ولا نكاد نلحظ صدق تلك المشاعر من خلال تلك النوعية من الأغاني، كل الأغاني الوطنية تتشابه في الشكل والمضمون، فقط شعور عام عائم، ليس له طعم، الفرح فيه بلا نكهة، والحب بلا مذاق، والفخر مبتذل، والثناء رخيص.

لا توجد أغنية وطنية تلتقط أحلام الناس الذين هم جوهر أي وطن وأساسه، ولا آلامهم، ولا دموعهم التي تنزفها أحداقهم، وكأن ذلك سُبّة للوطن وتهمة للمواطن تصيب وطنيته بالخدش وتعيبها،

فقط الأغنية الوطنية المصرية ومنذ القدم كانت على تماس مباشر مع مشاعر المواطن، وبالتأكيد لم تكن البداية مع سيد درويش وبيرم التونسي، مرورا بالشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم، كما أنها لن تقف عند الصوت الشاب لريهام عبدالحكيم التي غنت أغنية وطنية موجعة، كلمة ولحناً، وأبدعت تلك الأغنية في جمع القلوب في آهة، وفي ألم، وفي حلم، وهذه الأغنية ليست إلا مثالا عابرا للأغنية الوطنية التي نتمنى أغنية بسيطة وصادقة تلمس آلام المواطن وآماله... اسم الأغنية: بالورقة والقلم:

عارفة سواد العسل

أهو ده اللي حالك ليه وصل

إزاي قوليلي مكمّلة

وكل ده فيكي حصل؟!

يا بلد معاندة نفسها

يا كل حاجة وعكسها

إزاي وأنا صبري انتهى

لسه بشوف فيكي أمل؟!!!

طارداك وهيّه بتحضنك

وهوّ ده اللي يجنّنك

بلد ما تعرف لو ساكنها

ولا هيّه بتسكنك!

بتسرقك وتسلّفك

ظالماك وبرضه بتنصفك

إزّاي في حضنك ملمومين

وانتي على حالك كده؟!!!

ألا يسقط كثير من الأغاني الوطنية الساذجة تحت أقدام مثل هذه الأغنية؟!