عندما كنا نطرح فكرة الحكومة الشعبية المنتخبة منذ سنوات طويلة سبقت الحراك الشعبي الحالي، بل سبقت حتى حقبة الشيخ ناصر المحمد وحكوماته المتعاقبة على الفشل، والتي كانت في مجملها بمنزلة الرافعة التي قادت للافتراق الشاسع الذي نشهده حاليا ما بين السلطة وأجنحة المعارضة- في الظاهر على الأقل- أقول عندما كنا نطرح تلك الفكرة في زمن سبق هذا كله كنا ندرك تمام الإدراك أنه طموح بعيد المدى، وأنها فكرة استراتيجية ستحتاج قبلها إلى خطوات عديدة وتحضيرات كبيرة وتجهيزات مضنية ستلتهم زمنا طويلا قبل أن تتحقق، وكانت مطالبتنا بها في الحقيقة بمنزلة الدعوة إلى قبول تلك الفكرة الطموح والتوافق عليها، ومن ثم الانطلاق في طريق تحقيقها وإن كان طويلاً وشاقاً.
لذلك كنت طوال الفترة الماضية وكلما رأيت من يطالب بالفكرة، سواء عبر الصحافة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حاولت الدخول في تفصيلات ما يطرح كي أعرف إن كان يطرحها مدركا لمعناها وحجم متطلباتها أم أنه يرفعها شعارا إنشائيا إما للمماحكة أو المشاكسة السياسية، وإما للاستهلاك الإعلامي وخطب ود الجماهير وبالأخص الشباب المتحمس.وعندما رفع بعض أعضاء كتلة الأغلبية هذا الشعار كنت أجزم بأنهم لا يعنون ذلك حقاً في واقع الحال، وقصارى الأمر أنهم كانوا يستخدمونه لركوب موجة الحماس الجماهيري الشبابي من جهة والضغط على السلطة من الجهة الأخرى.كنت أجزم بذلك لأني لم أجد في أدبيات أغلب من رفعوا الشعار من أعضاء تلك الكتلة ما يفيد وجود الإدراك الموضوعي لمقتضيات هذه المطالبة، ولا ما يفيد قدرة مكونات الكتلة أصلا، ناهيك عن رغبتها أو إيمانها بضرورة التحول إلى أحزاب سياسية متكاملة حتى تكون هي النواة الأولى لإنشاء دولة ونظام ديمقراطي يستند إلى وجود حكومة شعبية منتخبة!وبالفعل صدق ظني، فها هم من كانوا ينادون بالحكومة الشعبية المنتخبة من كتلة الأغلبية، وعندما وجدوا بأن استمرارهم في المطالبة بها سيخرجهم من دائرة اللعبة البرلمانية ومن دائرة المكاسب السياسية المباشرة والمصالح الشخصية السريعة، نكثوا بما كانوا يعدون الشباب به، ونكصوا على أعقابهم وانحرفوا نحو المطالبة والتسويق لما يسمى الحكومة البرلمانية، بزعم أنها خطوة ابتدائية وسيطة للوصول إلى الحكومة الشعبية المنتخبة، وهذا هراء غير صحيح.الحكومة البرلمانية نظام مختلف تماما عن الحكومة الشعبية المنتخبة، والوصول إلى الثانية لا يقتضي أبدا المرور بالأولى، بل إن الانتقال من فراغنا السياسي الحالي إلى الحكومة البرلمانية سيكون بمنزلة عقبة جديدة كبيرة في طريق الحصول على الديمقراطية الكاملة الممثلة بالأحزاب السياسية والحكومة الشعبية المنتخبة، حيث سيكون وضعا جديدا لن يقبلوا بتغييره في المنظور القريب بدعوى أنه لم يأخذ وضعه الكامل، ولم يعط فرصته للعمل وإخراج كل ما عنده.نحن اليوم في واقع تاريخي مفصلي، ولو استمر الحراك المعارض من خلاله بالضغط لأجل الوصول إلى الديمقراطية الكاملة دون الرضوخ والقبول بأي صيغ وسيطة مهادنة، كصيغة الحكومة البرلمانية المطروحة حاليا، فإنه سيحصل على ما يريد ولو بعد حين، وأما القبول بتلك البدائل الوسيطة فإنه سيحيل كل مكتسبات الحراك هباء منثورا، فالحذر الحذر من الوقوع في هذا الفخ!
مقالات
حكومة برلمانية... للخلف در!
26-05-2013