{حبيب الملايين}
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
بدوره اختار المخرج رضوان الكاشف، في فيلمه {ليه يا بنفسج} (1993)، أن تحتل صورة جمال عبد الناصر جدار الغرفة المتواضعة التي يعيش فيها الأصدقاء الثلاثة في إيحاء بأنه {الأب} الذي تعلقوا به، وعوضهم عن يتمهم، والملاذ الوحيد لهم في دنياهم المحبطة، و}بصيص الأمل} الأخير في حياة جديدة تُخلصهم من الفقر والبطالة والتهميش. وطوال أحداث الفيلم العذب ظلت الصورة بمثابة {شاهد عيان} على الأحوال التي تدهورت في مصر، والدمار الذي أصاب بنيتها، والمعاناة الرهيبة التي يعيشها أهلها. في العام نفسه، وظف المخرج مدحت السباعي، في فيلمه {فرسان آخر زمن} (1993)، الموكب المهيب الذي خرج فيه الشعب المصري عن بكرة أبيه لتشييع جثمان {الزعيم}، كإشارة ذات مغزى لبداية مرحلة جديدة في تاريخ مصر السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من خلال الأصدقاء الثلاثة الذين تخرجوا في جامعة الإسكندرية في عام النكسة، وليلة الاحتفال بتخرجهم اغتصب أحدهم وهو مخمور فتاة فتموت متأثرة بالصدمة، ويتخلص الثلاثة من جثتها. لكن الجريمة تطاردهم، حتى بعدما أصبحوا نجوم مجتمع؛ فاللقطات التسجيلية للجنازة، وإن بدت لمن يشاهد الفيلم خارجة عن السياق الدرامي، إلا أنها بمثابة النقطة الفاصلة بين {زمن المد الثوري}، و}زمن الانفتاح والفساد} الذي اختلطت فيه القيم، وسادت الانتهازية والوصولية، وتحول {المغتصبون} و}المجرمون} في ظله إلى علية المجتمع ونجومه!أعوام طويلة مضت اكتفت فيها السينما المصرية بصوت {عبد الناصر} في خطبه التاريخية، كالتأميم والتنحي، إلى أن تذكره المخرج خالد يوسف من جديد في فيلم {دكان شحاتة} (2009)؛ فرغم أن أحداث الفيلم الذي كتبه ناصر عبد الرحمن تبدأ لحظة اغتيال السادات في حادث المنصة وبداية حكم حسني مبارك، فإن خالد يوسف رثاه في مشهد يطالب فيه الأب ابنه بأن يمد يده، ويحرك صورة {الريس} (عبد الناصر) إلى الشمال قليلاً ليغطي بها الشرخ الذي أصاب حائط الحجرة المتواضعة التي يعيش فيها مع أولاده، لكن الابن يعلق: {الشرخ كبير والصورة ما تغطيهوش كله}، ويرد الأب: {تغطي اللي تقدر عليه}، ولا تخفى دلالة المشهد على أحد؛ فالمخرج يتأسف على التشرذم الذي أصاب الأمة، والشرخ الذي دمر بنيانها، في أعقاب رحيل {عبد الناصر}، كذلك يُحذر من ثورة جياع تجتاح {وطن بيسلم حروف اسمه}، و}يغير العنوان}، حسب كلمات أغنية النهاية، في حال لم نستدعِ زعيماً مثل جمال عبد الناصر.لا جدال أن {عبد الناصر} ظل في الضمير الجمعي رمز الكرامة، نظيف اليد والذمة، لذا تعلق به الشعب المصري في حياته، ورفع صوره في الميادين بعد رحيله، ومن ثم كان طبيعياً أن تستدعي {صورته} على الشاشة و}جنازته} وأغنية وداعه، الكثير من الشجن والحنين إلى زمن النخوة العربية والرومنسية الثورية.