في شهر مايو 2012 كان الصديق د.كيتل سيلفيك من جامعة أوسلو أستاذاً زائراً لدينا في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت. كان قد مضى على الجريمة الكبرى في النرويج حوالي عشرة أشهر، تلك الجريمة التي راح ضحيتها 77 شخصاً أغلبهم من الشباب، وكان مرتكبها أندريه بريفيك، نرويجياً أصلياً، يعني شيخاً عيناه زرقاوان، ارتكبها مع سبق الإصرار والترصد، وبررها في كتاب نشره على الإنترنت، شارحاً منطلقاته العنصرية، وكرهه للأجانب، وخصوصاً المسلمين، وحنقه الشديد على سياسات حزب العمل الحاكم التي تشجع الهجرة واندماج المسلمين.

Ad

 كان بريفيك يتحدث عن الهيمنة الإسلامية على أوروبا، وأنه ضحى بنفسه لكي يثير انتباه الناس بقتله شباباً نرويجيين صغاراً. الفكرة والمنطلق والمبدأ متماثل ومتطابق مع ذات الفكر المتطرف في أي مكان و"عندنا وعندهم خير" أو شر لا فرق. هكذا إذاً ملة التطرف واحدة، تختلف الشعارات لكن المحتوى والمضمون واحد. كان رفاق بريفيك يداعبونه بأن أنفه عربي، فأجرى عملية تجميل لتغيير شكل أنفه.

 د.سيلفيك، وهو أيضاً نرويجي أصلي، من مدينة بيرغن، متخصص في الشرق الأوسط، ويجيد العربية، ومتزوج من سيدة عربية فاضلة، يعني عكس بريفيك العنصري بالكامل، طلبت منه إلقاء محاضرة على طلبتي في مقرر حقوق إنسان بالجامعة ليشرح فيها أبعاد الجريمة، وكيف تعامل النرويجيون معها، ركز د.سيلفيك على الشعور بالصدمة الذي أصاب الناس، وكان السؤال المطروح، وبعد أن صار يقيناً أن مرتكب المذبحة نرويجي، من أين ظهر، ومن أين جاء بريفيك، في إطار الفكر والثقافة المتسامحة السائدة؟ ربما كان الناس يتمنون أن يكون الفاعل أجنبياً، لكنه لم يكن. وربما كنا نتمنى أنه مختل عقلياً، ولكن قرار الاختصاصيين النفسيين الذين كلفتهم المحكمة بفحص قواه العقلية أكد انه لا خلل يذكر. وهنا صار علينا أن نبحث عن الخلل، ولكن ردود الفعل السريعة والآنية تمثلت في التصدي للتطرف، ورفض العنصرية جملة وتفصيلاً، ضمن تجمعات ضخمة للتعبير عن استمرار البلاد بسياسة الاندماج مع المهاجرين المسلمين.

طبعا لسنا هنا لنقارن بالحال عندنا، فلدينا الناس يفرحون بالتطرف وبث خطاب الكراهية والتحريض على القتل لا ضد المهاجرين، ولكن ضد أبناء البلد المختلفين دينياً أو عرقياً أو مذهبياً أو أي اعتبار تمييزي آخر، ولسنا هنا لنقول إنه لا توجد عنصرية في النرويج، بل هي موجودة، لكنهم استطاعوا أن يحيدوها ولا يجعلوا منها ثقافة سائدة. وللحديث بقية

#أغادر إلى تونس لتقديم تقرير للمجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم حول الوضع التعليمي في الصومال، وبعدها لزيارة الصومال لاستكمال بعض المعلومات.