لا يكاد يومٌ يمر إلا تشن جماعة "الإخوان المسلمين" الحاكمة في مصر، وحلفاؤها من أعضاء الجماعات الإسلامية المتشددة، هجمات حادة وشرسة على الإعلام والإعلاميين في هذا البلد.

Ad

ترفع "الجماعة" وأنصارها شعاراً ملتبساً يطالب بـ"تطهير الإعلام" في تظاهرات عديدة، كما يرفع متظاهرون من أتباع التيار الإسلامي عادة صوراً لإعلاميين مصريين بارزين، ويضعون عليها علامات خطأ (x)، بما يعني الرغبة في "إلغائهم"، إضافة إلى عبارات هجوم حادة بحق هؤلاء النجوم أو كلمات تحمل تهديداً ووعيداً.

ويشن سياسيون ومقدمو برامج وعلماء دين ناشطون في التيار الإسلامي والقنوات الفضائية التابعة له هجمات يومية شرسة على إعلاميين مصريين، ويصفونهم بأوصاف من نوع "عميل"، و"صهيوني"، و"كافر"، و"ماسوني"، و"شاذ جنسياً"، و"مروج للفسق"، في محاولة لشيطنة الإعلاميين والمجال الإعلامي بأسره.

في شهر ديسمبر من العام الماضي، حاصر أنصار الشيخ حازم أبو إسماعيل المرشح المستبعد من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وحليف الرئيس مرسي وجماعة "الإخوان"، مدينة الإنتاج الإعلامي، واعتدوا على إعلاميين بارزين، وحالوا دون دخول إعلاميين وضيوف إلى الاستديوهات، بداعي "تطهير الإعلام".

الشيخ حازم، الذي تم استبعاده من الانتخابات الرئاسية الأخيرة لأن والدته حملت الجنسية الأميركية بعكس ما أقر في أوراق الترشح الرسمية، يتهم الإعلام بـ"الكذب" و"الضلال"، والعمل على "إسقاط الرئيس".

تمثل حالة الحصار تلك، وما تبعها من اعتداءات على مقار بعض الصحف ووسائل الإعلام الأخرى، وما رافقها من أعمال عنف بحق إعلاميين وصحافيين وصلت إلى القتل والسحل والتحرش وتحطيم المعدات، تمثل ذروة حالة الشيطنة، التي تمارسها قوى الإسلام السياسي، المدعومة من الرئاسة والحكومة، بحق وسائل الإعلام.

يقول هتلر في كتابه "كفاحي": "إن دور حاجز النار الذي تنفذه المدفعية، ستقوم به في المستقبل الدعاية، التي ستعمل على التحطيم المعنوي للخصم قبل أن تبدأ الجيوش عملها".

يسعى الكثير من السياسيين الذين يعتقدون بامتلاكهم "الحقيقة المطلقة" إلى تحويل وسائل الإعلام إلى "آلة دعائية"، تُلمّع صورتهم وتلطخ سمعة أعدائهم، فإن لم يتمكنوا من ذلك، فعلى الأقل سيحاولون تطويع تلك الوسائل لتصبح أكثر انسجاماً مع مشروعهم السياسي وأقل ممانعة له.

وبالطبع، فإن حرية الصحافة والإعلام تدفع أثماناً غالية لقاء تلك المحاولات، وهي أثمان تدفعها أيضاً الأوطان، لأن حرية الإعلام ليست منحة أو ميزة للإعلاميين ولكنها "مصلحة عامة"، وهي أيضاً أحد المؤشرات الرئيسة التي تُصنف على أساسها المجتمعات لجهة الديمقراطية والتقدم أو الدكتاتورية والتخلف.

في نهاية شهر مارس 2012، زار مرشد جماعة "الإخوان المسلمين" الدكتور محمد بديع إحدى المحافظات المصرية، وتحدث إلى جماهير محتشدة في مؤتمر أقامته الجماعة للترويج لمرشحها في الانتخابات الرئاسية التي جرت لاحقاً في شهر مايو من العام نفسه.

ومن بين ما قاله المرشد في هذا المؤتمر إن "بعض وسائل الإعلام مثل سحرة فرعون، الذين جمعهم لسحر أعين الناس... والشيطان الذي أوحى للسحرة هو الذي يوحي للإعلاميين الآن بأن يصوروا للشعب أن (الإخوان) هم بديل (الحزب الوطني)".

لم تكن تلك المقولة مجرد "زلة لسان" أو "تقييم شخصي" من قبل رأس جماعة "الإخوان المسلمين" للمجال الإعلامي والإعلاميين المصريين، ولكنها، كما اتضح لاحقاً، كانت "تصوراً عاماً" لدى الجماعة عن مجمل الأداء الإعلامي. فقد توالت الانتقادات الحادة من عدد من أقطاب الجماعة وذراعها السياسية الممثلة في حزب الحرية والعدالة وأنصارها ووسائل الإعلام المؤيدة أو التابعة لها لمجمل الأداء الإعلامي، خصوصاً لبعض العناصر التي دأبت على انتقاد الجماعة وأعضائها وخطها السياسي.

ومن خلال مراجعة تصريحات قيادات "الجماعة" أو حزب الحرية والعدالة تجاه وسائل الإعلام المختلفة، وبتحليل مضمون وسائل الإعلام التابعة لـ"الجماعة" والحزب والمناصرة لهما بشكل عام، ستظهر مقولة رئيسة واضحة للغاية مفادها أن "الإعلام شكل مجالاً شريراً استهدف الجماعة ولطخ سمعتها"، وقد زادت حدة هذا الانطباع لدى "الجماعة" وأنصارها بعد انتخاب الرئيس محمد مرسي وتعيين رئيس الوزراء هشام قنديل، وشعور "الجماعة" بأن الإعلام يمكن أن "يساهم في إفشال الرئيس"، وبالتالي تبديد فرصة "الإخوان" في تكريس سلطتهم وتحقيق مشروعهم.

لذلك، قررت "الجماعة" شن حرب مفتوحة ضد الإعلام والإعلاميين، من خلال شيطنة المجال الإعلامي، ومحاولة إقناع الجمهور بأن "الإعلام خرب البلد"، و"الإعلاميين مسؤولون عن توقف عجلة الإنتاج وإحجام المستثمرين عن الاستثمار في مصر".

كما لم يكن غريباً أيضاً أن تنشط «اللجان الإلكترونية» (مجموعات من الشباب تم تسخيرها لسب المعارضين الليبراليين وتلطيخ سمعتهم على مواقع "الإنترنت") في تشويه الإعلاميين من معارضي «الجماعة»، عبر قصفهم واغتيالهم معنوياً، في الوقت نفسه الذي يحاول فيه «الأنصار المخلصون» إرهاب الإعلاميين بالاعتداء على بعضهم، كإحدى حلقات «الإرهاب المادي» في مسلسل المواجهة مع الوسط الإعلامي. وبموازاة هذا السلوك الهجومي الشرس في حق وسائل الإعلام الخاصة، تمضي خطة «الجماعة» بنجاح في مجال بسط هيمنتها على وسائل الإعلام المملوكة للدولة، وتكريس تبعيتها للنظام الحاكم، أياً كانت طبيعة هذا النظام.

فقد تم تعيين وزير إعلام ينتمي إلى «الجماعة»، ليقوم بالسيطرة على وسائل الإعلام المسموعة والمرئية المملوكة للدولة، والتحكم بممتلكات الدولة في بعض الأطر والمصالح الإعلامية مثل شركة «النايل سات»، وبالتالي استخدام تلك الترسانة كلها في معارك «الجماعة»، وتحقيق أغراضها.

ولهذا، لم يكن مستغرباً أبداً أن يحيل الوزير إعلاميين إلى التحقيق، لأنهم سمحوا بانتقاد الرئيس، بعدما اعتبر أن «الانتقاد بمنزلة إهانة»، كما لم يكن مستغرباً أيضاً أن يكرس عدداً كبيراً من برامج التلفزيون العام لمناقشة موضوعات تخص "تمويل الإعلام"، و"فوضى الإعلام"، ومسؤوليته عن "الفتنة"، و"تردي الأوضاع الاقتصادية"، و"الشعور العام بالإحباط واليأس".

يشن وزير الإعلام "الإخواني" هجمات متتالية على وسائل الإعلام الخاصة، ويتهمها بالعمل ضد مصلحة مصر، ويشيع أنها تتلقى تمويلاً من الخارج، في محاولة لشيطنة المجال الإعلامي والإغراء به، في الوقت الذي تحشد "الجماعة" أنصارها في الشوارع مطالبين بـ"تطهير الإعلام".

يرتكب الإعلام المصري أخطاء بلا شك، وبعض أنماط تمويله غامضة وملتبسة، وهو أمر يحتاج تنظيماً وإصلاحاً، لكن هذا الإعلام يكشف الكثير من مشكلات السلطتين التنفيذية والتشريعية، الواقعتين في يد "الجماعة"، ويسلط الضوء على فشل "الإخوان" وعجزهم وتدني كفاءتهم وافتقادهم النزاهة الأخلاقية اللازمة، ولذلك فـ"الجماعة" ترغب في شيطنته، تمهيداً لتطويعه وتركيعه أو قمعه وإسكاته.

* كاتب مصري