أنظر إليهم على المسرح، أفكر، هل يمكن لهؤلاء الشباب والشابات، المنشغلين بحبهم للفن، المغموسين في قصص الأدب والتاريخ، أن يوصلوها بالحياة وبنا وبزماننا، هل يمكن لهؤلاء الصغار، أن يخطوا على المسرح بإيقاعات الموسيقى تحركهم، بلوحات التاريخ تؤطرهم، بالثقافة والفن والأدب يحوطهم، هل يمكن للطائفية والقبلية وأي أنواع العنصرية أن تجد لقلوبهم طريقاً؟ "الخيزران" كانت مسرحية لوياك الأخيرة، كتبتها الأديبة الرائعة فارعة السقاف، ومثلها شباب لوياك باحتراف لا يقل عن ذاك الذي لمن قضوا سنوات على خشبة المسرح، موسيقى المسرحية والتحرك على خشبتها وتغيير لوحاتها، ألوانها ورتمها، كلها تذكر بمسرح الرحباني، مسرح يدمج الموسيقى بالفن والتاريخ، فتصبح إسقاطاته أكثر جمالاً وتأثيراً وفعالية في الوصول للجمهور.
كيف تنقذ الأجيال القادمة؟ كيف تؤثر ايجاباً في مستقبل البلد؟ كيف تدمج الشباب فتضعهم بجانب بعضهم بعضا لا في مواجهة بعضهم بعضا؟ تلك تبدو لي كانت التساؤلات التي دفعت لتأسيس مؤسسة لوياك التي برئيستها فارعة السقاف وأعضائها الدؤوبين قد أخذوا خطوات مختلفة جريئة لتأتيهم نتائج مختلفة ورائعة. فبالإضافة إلى الأنشطة الخيرية والإنسانية والعملية المتنوعة، تستخدم مجموعة لوياك المسرح كأداة تعليمية، تهذيبية، تثقيفية، وتواصلية، أداة لا تصل فقط الشباب بالآخرين الذين في أعمارهم، ولكنها تصلهم بأنفسهم قبل كل شيء، ليكتشف كل منهم مكمن نفسه، قدراته، كل هذا الجمال الإنساني والقدرة العطائية التي قد تكون طبقات من الحرام والممنوع والعادات والتقاليد والعنصريات قد طمستها عن أعين أصحابها. في لوياك، يندمج الشباب في مجتمعهم، يحبونه، يجزلون له العطاء، وعندما تعطي، فأنت تستثمر، وعندما تستثمر ينمو اهتمامك باستثمارك، وعندما ينمو اهتمامك، يزداد حبك فترتفع أسهم استثمارك مرة أخرى، دائرة مغلقة من الحب والاهتمام والدفع بالازدهار. إلا أن النتاج ليس فقط هذا الاندماج المجتمعي، بل هناك اندماج داخلي، رضا رائع عن النفس، الشعور بالقيمة الذاتية، وذاك أروع ما تقدمه مؤسسة لوياك لأبنائها وبناتها.في الخيزران، نتعرف على امرأة مختلفة، امرأة ظلمها التاريخ، ليس فقط في تشويه سمعتها السياسية، ولكن كذلك في طمس كل معلومة عنها. نتعرف في المسرحية على والدة هارون الرشيد، الخيزران، ودوافع اختياراتها، نلقي نظرة على التاريخ البعيد الذي طالما قدسناه، فنجده تاريخاً إنسانياً فيه الخير وأكثر منه الشر، فيه الإصلاحيون وأكثر منهم المخربون، فيتعلم الشباب الدرس بغير إقحام، يتعلمونه على وقع الموسيقى، يتداولونه ويفكرون فيه بينما هم يؤدونه، فأعود وأسأل، هل من وسيلة أنجع لإنقاذ الشباب من شرور واقعنا الحالي عن تلك التي تتبناها لوياك، ليس فقط عن طريق مسرحها، ولكن من خلال فلسفتها العامة ككل؟في لوياك، اندمج الشباب والشابات على اختلاف مشاربهم وأصولهم وخلفياتهم، وحدهما الفن والعمل الإنساني، شغلاهم ببناء أنفسهم وتجميل مستقبلهم. أعتقد أننا نحتاج لوياك للكبار، لوياك ينقذنا من أنفسنا ومن مستقبل مخيف نرسمه بأيادينا، نحتاج من يتبنانا ويعيد صياغتنا، فهل من لوياك لجيل فقد طريقه قبل أن يتوه تماماً في الظلام؟
مقالات
نحتاج لوياك
16-04-2013