في خضم المجازر المتلاحقة التي ترتكبها قوات المالكي المتطرفة المتمثلة بقوات "سوات" والميليشيا المدمجة بوحدات الجيش والشرطة والاتحادية. إضافة إلى ميليشيات "عصائب أهل الحق" و"جيش المختار"، كانت "اللجان الشعبية في المحافظات الست المنتفضة" قد أعلنت في مايو الماضي أنها  تدرس "خيارين لا ثالث لهما"، وهما "المواجهة المسلحة، وإما إعلان خيار الأقاليم". وقد طلب البيان آنذاك من:

Ad

"علماء العراق في الداخل والخارج، والسياسيين وشيوخ العشائر والأكاديميين، تحديد موقفهم من هذين الخيارين خلال خمسة أيام، وفي حالة التزامهم الصمت، فإن ذلك يعتبر قبولاً لِما ستذهب إليه اللجان من خيار".

ومن خلال الصف الأكاديمي والمسؤولية الوطنية تجاه هذا الظرف العصيب والخطير الذي يمر فيه عراقنا العظيم، نقول بكل صراحة: إن "خيار المواجهة المسلحة" هو الخيار الذي لا بديل له، ولا محيص عنه. ونورد في ذلك الأسباب التالية:

أولاً: إن الإقدام على مثل هذه المواجهة المسلحة ضد مخلفات الاحتلال الأميركي، إنما هو امتداد طبيعي لسنوات الجهاد التي قادتها فصائل المقاومة الوطنية المسلحة من أجل تحرير البلاد والعباد من نير الظلم والجور والطغيان والاستبداد.

ثانياً: إن انطلاقة العمليات المسلحة في المحافظات الست الثائرة، خصوصاً في الأنبار ونينوى وصلاح الدين، لا تقتصر في تطهيرها من جرائم قوات المالكي الطائفية، بل ستكون القواعد الرئيسة التي تعمل على تحرير بقية ربوع الوطن مما لحق بها من ضيم وحيف وتخلف.

ثالثاً: إن التعجيل بالخيار المسلح في المحافظات المذكورة، يسارع كثيراً برفع الضغط عن القوى الوطنية في الوسط والجنوب. فضلاً عن ذكر الخلايا النائمة التابعة لفصائل المقاومة التي لا تكشف عن نفسها إلا بتحقيق النصر أو الشهادة.

رابعاً: رغم أن خيار المجابهة المسلحة سيتطلب وقتاً زمنياً لكي يعطي نتائجه على أرض الواقع، لكنه لن يكون بنفس المنطق الواقعي لفترة المحتل الأميركي. أعني السنوات الخمس الضاريات ما بين 2003- 2008 والتي تجلت بانكسار شوكة الجيش الأميركي على أيدي أشاوس المقاومة الأبطال. وإنما ستكون بضعة أشهر بحكم الزخم الشعبي والجماهيري الذي أصبح الوعي الجمعي لديه واحداً.

خامساً: إذا ما استمرت المواجهة المسلحة ضد قوات المالكي أكثر من الشهور المتوقعة، بحكم الدعم الإيراني الذي سيتضاعف. فإن في ذلك تخفيفاً أكثر على حراك القوى الوطنية، السياسية والعشائرية والاجتماعية، بتفعيل دورها الميداني في محافظات الوسط والجنوب.  

سادساً: إن الشعب العراقي بكل مكوناته وأطيافه وصل إلى مرحلة قبول التغيير الجذري في إسقاط العملية السياسية التي لم يجنِ من سنواتها العشر الماضية غير التقهقر في المجالات والميادين كافة، والحرمان من مباهج الحياة، والقتل والتشريد الطائفي، وانتشار البؤس والفقر والأمية، وتبديد ثروات البلد، وسرقات قوت الشعب... إلخ.

ومما سردناه أعلاه، يجب إسقاط فكرة خيار الأقاليم نهائياً. وللأسباب الموجزة التالية:

أولاً: إن المشكلة التي يمر بها عراقنا الحبيب هي برمتها سياسية أوجدها المحتل الأميركي وتبناها المحتل الإيراني. وبالتالي فهي ليست مشكلة اجتماعية أو دينية لكي نجابهها بتقسيم أشلاء الوطن الواحد.

ثانياً: إن مجرد رفع خيار الأقاليم يعني المشاركة بصورة أو أخرى في تثبيت "مشروع بايدن" في تقسيم العراق.

(إذ في عام 2007 طرح جوزيف بايدن، عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي، فكرة التقسيم لثلاث دول: كردية وسنية وشيعية. وفي مطلع مارس 2008 قدم بايدن مشروعه التقسيمي فاتحذ الكونغرس الأميركي قراراً غير ملزم بتقسيم العراق.) ولقد أخذ بايدن فكرته من "مشروع برنارد لويس" لعام 1948 وجدده في عام 1976 حول تقسيم العالمين العربي والإسلامي من 56 بلداً إلى 88 دولة وفقا للأعراق والطوائف والقبائل.

ثالثاً: إن طرح خيار الأقاليم سواء في الأنبار أو سامراء أو غيرها بدعوى الاستقلالية عن حكومة المركز في إدارة شؤون مناطقهم. فإن في ذلك أخطاراً مستقبلية حتمية، ومنها:

أ- وفقاً للدستور الذي وضع أُسسه المحتل الأميركي، فإن قيام الإقليم أو تكوين الأقاليم وفقاً للمادة 119 و120 فإنها لا تعني غير الانكفاء الذاتي لمكونات مناطقية معينة. مما يضعف بشكلها العام بناء الدولة المتماسكة من ناحية. ويجعل من هيكلية المؤسسات متنافرة من ناحية أخرى. هذا إن لم نقل إن الإقليم أو الأقاليم ليست بعيدة عن سطوة وجبروت حكومة المركز في الأمن الداخلي والخارجي.  

ب- إن خيار الأقاليم يدفع البعض إلى أن يتجه نحو تقسيم العراق. وأن مسعود البارزاني لم يتوان عن ذكر فكرة الانفصال عن العراق في أكثر من حديث وتصريح لوسائل الإعلام.

ج- إن الأنظمة السياسية التي قامت في بلدان لها تركيبها الإقليمي، كما في ماليزيا أو الولايات المتحدة الأميركية أو غيرها، فلأنها لم تكن أصلاً بلداً واحداً لشعب واحد عبر تاريخ وحضارة تخصهم وحدهم. ولذا كيف نجعل من العراق الواحد أرضاً وشعباً، تاريخاً وحضارةً، أن يتجه نحو التقسيم والتجزئة؟

وعليه نستنتج أن خيار المواجهة المسلحة ضد حكومة الاحتلال الخامسة التي يرأسها الطائفي نوري المالكي، هو الخيار الوطني التحرري القويم والسليم. وإن مثل هذا النهج المسلح الإضافي لقوى المقاومة الوطنية المسلحة إنما يعجل في دحر الأعداء، ويقرب فجر الحرية الذي يتوق إليه كل عراقي حر شريف غيور.