أعلنت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأسبوع الماضي عناوين أعظم مئة رواية على الإطلاق، بناء على اختيار نخبة من كبار الأدباء والنقاد والمفكرين، فتصدرت «دون كيشوت» الواجهة، فضلاً عن «تقدم الحاج» لجون بونيان، «روبنسون كروز» لدانييل تريفور، و»رحلات غاليفر» لجوناثان سويفت.

Ad

كذلك شملت القائمة أعمالاً من بينها: «كلاريسا» لصاموئيل ريتشاردسون، «إيما» لجين أوستن، «فرانكشتين» لماري شيلي، «دي مونت كريستو» لأليكسندر دوماس، «ديفيد كوبر فيلد» لتشارلز ديكنز، «جين إير» لشارلوت برونتي، «موبي ديك» لهيرمان ملفيل، «مدام بوفاري» لغوستاف فلوبير، «أليس في بلاد العجائب» للويس كارول، وغيرها من أعمال متوقع وجودها في القائمة.

 وكانت لبعض القراء تحفظات على بعض الاختيارات، من بينها «دون كيشوت». فرغم كونها عملاً عظيماً ورواية مرحة، إلا أن أحد القراء شك في أن يكون سبب تفوقها المبالغ فيه توافر نسخ منها في مكتبة «الغارديان» ترغب في بيعها، بالإضافة إلى أنه نظراً إلى أهميتها التاريخية، فإنها تدرج ضمن مناهج الدراسة في المراحل المختلفة، ما يدفع الطلبة إلى نسيان تفاصيلها أسوة بمواد المناهج الأخرى، وكان على «الغارديان» بهذا الاختيار إعادة الرواية إلى الذاكرة.

ورغم أن تحفظ أحد القراء على «دون كيشوت» من الأمور البديهية، ولا ينبغي أن يأتي في صدارة الأخبار حول الرواية، بدا هذا الخبر العابر كأنه قضية كبرى نشرت في كثير من المواقع الإلكترونية والصحف.

من البديهي أن يعترض قارئ على رواية مهمة، فهي ليست كتاباً منزلاً ولا مقدساً، على أن القراءة لها علاقة بالمزاج قبل الأهمية، فحين نقول «عوليس» لجيمس جويس أو «الجبل السحري» لتوماس مان، ورغم أهمية الروايتين وضخامتهما من الصعب أن يتقبلهما القارئ العادي اليوم.  

منجهة أخرى، من السخف الهجوم على رواية مثل «دون كيشوت» والتقليل من قيمتها، وهي باتت حاضرة في الذاكرة الثقافية والاجتماعية مثل «ألف ليلة وليلة» و»لوليتا» وتحولت مصطلحاً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً نسمعه مئات المرات في التصاريح والخطب، وربما يعرفه الكثيرون ولكنهم لا يدركون شيئاً عن الرواية وصاحبها.

من السخف أيضاً اختيار مئة رواية باعتبارها أفضل الروايات في العالم، فهذه الأمور غير متفق عليها وتخضع لاعتبارات غير منطقية وغير دقيقة ومزاجية، فثمة روايات بديعة يبقى الاهتمام بها محصوراً بين فئات قليلة من القراء، في حين تحظى روايات تافهة بملايين القراء. لكن في خصوص «دون كيشوت»، لا أحد يمكنه إنكار أنها شكلت تأسيساً أسطورياً لثقافة جديدة في العالم.

كتب الروائي الكولومبي ذائع الصيت غابرييل غارسيا ماركيز يقول «إن علينا أن نقرأ، ونعيد يومياً قراءة دون كيشوت»، ما يعني أن الكتاب الأشهر في الدنيا، الذي أصدره الكاتب الإسباني ميغل دي سرفانتس في جزأين في مطلع القرن السابع عشر، والذي تُرجم إلى لغات العالم كافة، لا يزال بعد أربعة قرون على صدوره، حاجة فكرية وأخلاقية في يومنا هذا نظراً إلى مضمونه الإنساني والنبيل.

منذ صدورها، اعتبرت رواية «دون كيشوت» هجاء لكتب الفروسية التافهة والرائجة آنذاك، وكان مضمونها نقيضاً لمضمون روايات الفروسية التي نالت شهرة واسعة في نهاية القرن الخامس عشر. وبمنأى عن اختيارات صحيفة «الغارديان» والاعتراض على «دون كيشوت» من أحد القراء، قبل سنوات قليل صوتت نخبة من أبرز كتاب العالم على أن الرواية أفضل عمل أدبي في العالم. وأعطى الكتاب، ومن بينهم سلمان رشدي وميلان كونديرا وجون لو كاريه وجون ارفينغ ونادين غورديمير وكارلوس فوينتس ونورمان ميلر، «دون كيشوت» نسبة أعلى بخمسين في المئة من الأصوات مقارنة بالعمل الذي جاء في المرتبة الثانية على قائمة تضم مئة عمل أدبي. ولم ترد بعد تفاصيل عن الأعمال التي تلت «دون كيشوت» على القائمة.

وغدا سيرفانتيس ملهماً للفكر الفلسفي المعاصر، من خلال روايته. كيف أضحى البطل الروائي «دون كيشوت» شخصية مفهومية تغلبت على أن تكون مجرد شخصية تعبر من خلال سيرورة السرد الروائي.