في عام 1916 أنجزت اتفاقية سايكس– بيكو بين الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس وبمصادقة روسية بعد انهيار الامبراطورية العثمانية والتي شاركت فيها القبائل العربية ضد الحكم العثماني واثقة بوعود السير هنري ماكماهون بمنح المنطقة العربية استقلالا كاملا. ولكن هذه الوعود تبخرت حين أفشت الثورة الشيوعية 1917 وثائق الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا لتقسيم العالم العربي تحت نفوذ الدولتين وتحويله الى دويلات معتمدة على عامل مهم هو الصراع القبلي وتناحر الطوائف. رغم أن اغراءات تلك القبائل هو الذهب الذي يوزعه الميجر البريطاني لزعامات القبائل أمثال عودة ابو تايه.

Ad

وبغض النظر عن الاتفاقية المشؤومة الا أن الدول العربية المنقسمة جاهدت لإنهاء الانتدابين وبناء الدول الحديثة رغم الاختلافات الأيدلوجية في طريقة الحكم بين دولة وأخرى، وبالرغم من الجرح الغائر الذي خلفه وعد بلفور في انشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948. هذه حقائق تاريخية لا جديد فيها. الدرس الأهم فيها هو أن مشروع التقسيم نجح في تكريس ولاءات المواطنة في الحدود التي تضم هذه الدول في ظل حلم الوحدة المقبول قولا والمرفوض عملا.

منذ سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على العالم أخذت السياسة الأميركية تفكر بتغيير اتفاقية سايكس –بيكو والبحث عن آلية جديدة في اعادة تشكيل الوطن العربي تحديدا وآسيا الجديدة بشكل عام. وبرزت مجموعة من السياسيين والمفكرين في البحث عن طريقة تساعدهم على تحقيق المشروع الأميركي أهمهم الرئيس السابق جيمي كارتر وبريجينسكي وبرنارد لويس وكيسنجر وغيرهم.

كان استغلال القبائل البدوية في الفترة السابقة، دون وعي منها،  لتأسيس الدول العربية هو المحرك الأهم في المساعدة على انهاء الحكم العثماني والذي عاشت فيه الأمة سنوات انحطاط ثقافي ومؤسساتي وانعزال تام عن العالم المتقدم علميا وصناعيا وتقسيم العالم العربي كمحصلة نهائية مقبولة. لكن البدو اليوم توطنوا وتركوا الحياة الرعوية ولم يعد مجد اعادة استخدامهم لاعادة تشكيل الكيانات السياسية. وكان لا بد من البحث عن عنصر فعال بإمكانه تغيير المعادلة والعمل على تحقيق المشروع الجديد ولم يكن هناك أفضل من التمايز الديني والذي تتكون منه هذه الدول، وخصوصا الانقسام السني الشيعي.

وكان العسل الذي قدمته الادارة الأميركية هو عطش الشعوب العربية للديمقراطية ومناهضة الحكم الفردي في ما يسمي بجمهوريات يستمر الحاكم فيها مدى الحياة مستخدما أداة القمع والاقصاء للبقاء في الحكم. أما السم فهو استغلال التطرف الديني لركوب موجة هذا التغيير والاستيلاء عليه. ولأن الحدث الأهم هنا هو ما يحدث في سورية سنأخذ سورية كمثال. ما حدث في سورية هو ثورة شعبية ضد نظام مارس القمع والرعب منذ استيلاء حافظ الأسد على السلطة حتى الابن وكانت الثورة تستمد قوتها من انشقاق في صفوف الجيش وانضمام الشباب السوري لها. وما حدث لاحقا هو محاولة التيارات الاسلامية المتشددة (السنية والشيعية) الى الدخول في المواجهة وأيضا دون وعي منها.

هذه المواجهة كان سبقها اذكاء طائفي محموم عبر القنوات الفضائية التي تقدم لها أميركا وبريطانيا وقودها اللازم مستغلة العاطفة الدينية عند كل طرف ومعتمدة على التكوين الثقافي للعقل العربي والذي يستمد ثقافته شفاهة تحت وطأة أمية مرتفعة. عقول بالإمكان غسلها واعادة تكوينها وتأهيلها للدخول في معارك لن يخرج منها أحد بانتصار حقيقي.

نعلم جيدا أن المخطط المرسوم بذهنية صهيو- أميركية هو لتفتيتنا واعادة تشكيلنا وأنهم يضربون حين يحتاج الأمر لضرباتهم كما في ليبيا وربما غدا في سورية ولكن دماء شبابنا وقدراتهم وطاقاتهم هي التي تنفذ لهم الخطوط العريضة لهذا المخطط. وسيأتي يوم نكرر فيه مقولة لويس "ما هو الخطأ الذي حدث؟" بطريقة مختلفة تماما.