مقاطعة الانتخابات القادمة... ثم ماذا؟

نشر في 24-06-2013
آخر تحديث 24-06-2013 | 00:01
 د. بدر الديحاني في المقال السابق ذكرنا أن مقاطعة انتخابات "مرسوم الصوت الواحد" تعتبر موقفاً مبدئياً رافضاً لعملية الانفراد بالقرار وقائماً على التمسك بنظام الحكم الديمقراطي الذي يرتكز على قواعد دستورية منظمة للسلطات العامة، بحيث لا تتعدى سلطة على سلطة أخرى فتسلب صلاحياتها، وهو الأمر الذي يسبب اختلالاً في قواعد المعادلة السياسية التي يستند إليها نظام الحكم الديمقراطي.  ولتقريب الصورة أكثر دعونا نتخيل، على سبيل المثال، أننا سنخوض مباراة رياضية يحق للطرف المقابل أن يغير قواعدها أثناء اللعب كيفما يشاء، فهل ستكون حينذاك مباراة عادلة بإمكاننا توقع الفوز فيها؟! الجواب بالنفي القاطع طبعاً.

من هنا فإن السؤال يجب ألا يكون حول جدوى مقاطعة الانتخابات القادمة بل عن جدوى المشاركة فيها التي لن تكون سوى إضفاء مشروعية سياسية وشعبية على قرارات الحكومة وقوانينها؛ لأن أوراق اللعبة السياسية كلها بيدها، وباستطاعتها الآن تغيير قواعدها بأي لحظة تشاء وبحسب مصلحتها.

لذلك فإن أي مجلس قادم لن يختلف من حيث الجوهر وليس الشكل (أي تحكم الحكومة بالتشريع والرقابة) عن المجلس الذي أُبطل هذا الشهر، فهل يمكن تسمية هذه الممارسة بالعملية الدستورية الديمقراطية الحقيقية؟ أم أنها مجرد "ديمقراطية" شكلية ستخرج لنا مجلسا صورياً؟ وفي هذا السياق فإن من شارك في انتخابات مجلس الصوت الواحد الذي أبطلته المحكمة الدستورية لن يجد غضاضة إطلاقاً بالمشاركة في الانتخابات القادمة لكن الأسئلة ستطرح أمام من قاطع تلك الانتخابات عن اقتناع، هل يشارك الآن؟ أم يستمر بالمقاطعة؟ ثم ماذا بعد ذلك؟

مع احترام وجهات النظر الداعية إلى المشاركة التي يطرحها من قاطع عن اقتناع انتخابات مجلس الصوت الواحد الماضي، إلا أن القضية لا تتعلق بمكاسب شكلية لا قيمة لها وباستطاعة الحكومة متى ما أرادت أن تمسحها بجرة قلم، بل تتعلق بما هو أعظم من ذلك بكثير وهو التمسك بنظامنا الديمقراطي المعبر عن إرادة الأمة ومصالحها، فالديمقراطية ليست صناديق اقتراع ومبنى يسمى "مجلس أمة أو مجلس شعب"، فقد رأينا في منطقتنا العربية أمثلة كثيرة لبرلمانات مزيفة، بل إنها، أي الديمقراطية، تعني قواعد عامة ثابتة وآليات متوافقاً عليها تضمن عدم اختلال المعادلة السياسية التي يشارك الشعب وليس السلطة منفردة بوضعها وتعديلها.

ومقاطعة انتخابات مجلس "مرسوم الضرورة" هي موقف مبدئي يعبر عن رفض اختلال المعادلة السياسية لمصلحة الحكومة لتكون النتيجة مجلساً صورياً لن تستطيع أي مجموعة "معارضة" داخله التأثير في قراراته، بل سيكون دورها مجرد إضفاء مشروعية شعبية على وضع مختل وغير صحيح ديمقراطياً.

وماذا بعد المقاطعة؟

مقاطعة الانتخابات العامة هي أسلوب حضاري سلمي متبع في الكثير من دول العالم للتعبير عن رفض العبث بالمعادلة السياسية والديمقراطية، وهذا يعني فيما يعنيه عدم إضفاء مشروعية شعبية على قرارات الحكومة وقوانينها، بحيث ستتحمل وحدها المسؤولية الكاملة عن فشلها، وبالتالي فأي انتقاد أو تذمر أو غضب شعبي في المستقبل سيوجه إليها وحدها.  ومع الأخذ في الاعتبار أن التغير الاجتماعي والسياسي عملية صراع مسافات طويلة يحتاج إلى صبر ونفس طويل وعمل دؤوب من أجل تغيير موازين القوى لمصلحة عملية التغيير، فإن الاكتفاء بمقاطعة الانتخابات لن يكون كافياً بحد ذاته لإنجاز ذلك، بل يجب أن يترتب عليه ممارسة واعية ومدروسة للضغط الشعبي من خارج المجلس بالوسائل السلمية كافة من أجل تحقيق المطالب الشعبية المتعلقة بتصحيح المعادلة السياسية وتحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي.

من هنا يبرز دور القوى الشبابية وقوى المعارضة وقدرتهما على توحيد الصفوف وتجاوز سلبيات المرحلة الماضية، ثم التحول تنظيمياً وميدانياً من معارضة "انتخابية" إلى معارضة سياسية حقيقية تطرح برنامجاً سياسياً معبراً عن مصالح مكونات مجتمعنا الاجتماعية والسياسية كافة التي لها مصلحة في عملية التغيير الديمقراطي.

back to top