تعتبر بعض القوانين خطيرة جدا، بحيث لا يمكن السماح لها بالبقاء في الكتب. خذ على سبيل المثال، سقف ديون الولايات المتحدة. وهو معادل تشريعي لقنبلة نووية توجهها الولايات المتحدة على نفسها، وبقية العالم ضمن منطقة الانفجار.
ما لا يجب استخدامه أبداً، يجب ألا يكون موجوداً. بغض النظر عن نتائج المفاوضات الحالية، يحتاج القانون إلى أن يلغى. لا يمكن متابعة الحكومة المنظمة تحت مثل هذا التهديد المدمر. الأمر مختلف تماماً عن الإغلاق الجزئي للحكومة. ومع أنه كان دلالة على الحمق والظلم، إلا إذا كان من الممكن التعامل معه. لكن لا يمكن التعامل مع الإخفاق في رفع سقف الديون.لكن الوضع المعقد للسقف لا يخلو من جانب مسلٍ بشكل كئيب. سيتذكر الكثيرون إصرار الجمهوريين على أن «عدم اليقين» كان يحبط انتعاش الاقتصاد. ومع ذلك من الصعب تصور سياسات مصممة بشكل أفضل لخلق أقصى حد من عدم اليقين، أكثر من عجز محتمل للمدين الأكثر أهمية في العالم.ورداً على سؤال حول عواقب الفشل في التوصل إلى اتفاق بشأن السقف، أجاب جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس: «من الأفضل لك ألا تعرف الجواب». ولكن علينا السعي لنعرف؛ فالنتائج قد تكون كارثية.لماذا يعتبر سقف الديون خطرا جدا عند الاستخدام؟ هذا السؤال له إجابتان: الأولى دستورية. في مقالة نُشرت أخيرا، يجادل نيل بوكانن من جامعة جورج واشنطن ومايكل دورف من جامعة كورنل، بأن سقف ديون ملزم من شأنه أن يخلق «معضلة ثلاثية الأبعاد» للرئيس: «أتجاهل سقف الديون وأصدر سندات جديدة من جانب واحد، ما يعني نزع سُلطة الكونغرس على الاقتراض؛ أو رفع الضرائب من جانب واحد، بالتالي نزع سُلطة الكونغرس على فرض الضرائب؛ أو تخفيض النفقات من جانب واحد، بالتالي نزع سُلطة الكونغرس على الإنفاق».وبالتالي فإن سقف الديون الملزم قد يجبر الرئيس على انتهاك التزامه بـ»الحرص على أن يتم تنفيذ القوانين بإخلاص». استنتج الكاتبان ان على الرئيس اختيار الاتجاه «الذي يخالف الدستور أقل ما يمكن»، ويتجاهل سقف الديون. ولكن، في النهاية، مهما فعل الرئيس فإن من شأن ذلك أن يخلق أزمة دستورية. لا يوجد كونغرس مسؤول يسعى لوضع الرئيس في مثل هذا الموقف.السبب الثاني لكون سقف الديون خطيرا جداً هو عدم قدرة الحكومة على الامتثال له بطريقة غير مدمرة. في مرحلة ما في الفترة بين 16 أكتوبر ونهاية ذلك الشهر، قد تفتقر الحكومة إلى المال لدفع فواتيرها. جميع الخيارات قد تكون كارثية.أحد الخيارات الذي تمت مناقشته بكثرة هو «تحديد الأولويات»: قد تدفع الحكومة الفدرالية للمطالبين «الأكثر أولوية»، مثل الحكومة الصينية، وتعجز عن الدفع للمطالبين «الأقل أولوية»، مثل منتفعي الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية. نعم الفكرة تبدو بهذه البشاعة.لدى وزارة المالية الأميركية اعتراضان قويان، الأول تحديد الأولويات قد لا يحمي «الإيمان الكامل وسمعة ائتمان الولايات المتحدة»، فهو سيظل عجزا. الثاني ان أنظمة الكمبيوتر التابعة للحكومة الأميركية لا تسمح لها بالاختيار من بين الدفعات التي يقارب عددها 100 مليون دفعة شهريا.يتميز نظام فيدواير، النظام الذي يتعامل مع دفعات الديون السيادية الأجنبية، عن أنظمة الدفعات للوكالات الحكومية والجهات الأخرى. لذلك قد تتمكن الوزارة من دفع الالتزامات السابقة أولاً ثم تستخدم ما تبقى من النقود لدفع الالتزامات للجهات اللاحقة، وهي إمكانية تنكر حتى وجودها، للحفاظ على مصداقية المساومة.حتى لو كان ذلك ممكناً، وهو غير واضح، فإن الجوانب السياسية في تحديد الأولوية قد تكون كارثية. ومع ذلك الجوانب الاقتصادية للإخفاق في خدمة الديون قد تكون أسوأ. تعتبر سندات خزانة الولايات المتحدة من الأصول الآمنة الأكثر أهمية في العالم.وإذا أصيبت بالعجز، حتى لو مؤقتاً، سيكون لذلك تأثير فوري على تأمينات المخاطر، ومن المحتمل جداً وجود تأثير دائم على دورها كملاذ آمن. وقد يتم فرض قيود على استخدامها في الرهان. والنتيجة، كما لاحظت زميلتي جيليان تيت، انه قد يحدث تعطل كبير لسيولة السوق والائتمان في كل أنحاء العالم.العجز الذي أصاب بنك ليمان شيء؛ أما عجز الولايات المتحدة فيعتبر أمراً مختلفاً تماماً. لا عجب من أن اجتماع المسؤولين عن البنوك المركزية ووزراء المالية في واشنطن الأسبوع الماضي، لحضور الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي، البنك العالمي كان في غاية التوتر في ما يتعلق بهذا الموضوع.قد يبدو ان البديل الأقل ضررا اقتصاديا هو عجز الحكومة الأميركية عن تسديد التزاماتها غير المتعلقة بالسندات. والواقع ان العديد من أتباع «حزب الشاي» يعتقدون أن السقف هو وسيلة لفرض ميزانية متوازنة، رغم أنه قد يحد حتى من الاقتراض الطبيعي قصير الأمد للأسر.اليوم، هذا قد يتطلب القضاء الفوري على عجز يقارب 4.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. التخفيض الفوري بمثل هذا الحجم الكبير قد يخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة أكثر بكثير من 6 في المئة التي تشير إليها المضاعفات التقليدية. السبب ان كل المثبتات الداخلية ستتوقف. وحين ينخفض الدخل جنبا إلى جنب مع الناتج المحلي الإجمالي، قد يتقلص الإنفاق بصورة آلية أكثر من ذي قبل. وقد ينخفض الناتج المحلي بنسبة 10 في المئة. وهذا من شأنه إلحاق كارثة محلية وعالمية.بالتالي، إذا امتثلت الحكومة لسقف الديون، فسيكون لديها خيار بين مصيبة الديون ونتيجة كارثية. ومع ذلك فإن أوباما محق أيضا بأنه لا يستطيع التنازل لأشخاص يستخدمون هذا التهديد، لأن ذلك قد يزيد تحفيزهم لاستخدامه، وبالتالي وعلى المدى البعيد، من المحتمل أن تنفجر هذه القنبلة. هذا الجهاز يحتاج إلى أن يُنزع منه الفتيل. وللأسف، هذا لن يحدث.بالتالي تحتاج الحكومة إلى أن تقرر ماذا ستفعل إذا لم يتم رفع السقف في الوقت المناسب، سواء الآن، أو الشهر المقبل، أو في تاريخ لاحق. الجواب الأقل سوءاً سيكون: استمروا في الاقتراض. لا يستطيع الرئيس القول إنه سيفعل ذلك، قبل أن يحين الموعد.في الواقع، يجب عليه أن ينكر ذلك، بما ان معرفة ذلك من شأنه تقليل حافز خصومه لرفع السقف. ومع ذلك، وفي أسوأ الأحوال، سيضطر للاقتراض، بالقول إن الحاجة تدعو إلى الحفاظ على سمعة الحكومة، والتي بدونها ستُدمر بشكل دائم.الاقتراض تحت غيمة دستورية قد يكون محفوفا بالمخاطر. أبسط وسيلة لتقليل هذه المخاطر هي الاقتراض قصير الأجل. إذ لابد أن يضمن مجلس الاحتياط الفدرالي أن بقاء سعر الفائدة صفراً، ليتمكن من الحفاظ على سياسته النقدية.وقد يتهم مجلس النواب الرئيس بـ»الجريمة الكبرى» من أجل أن يضمن إيفاء الحكومة الأميركية بالإيفاء بوعودها، لكن هذا سيفشل في مجلس الشيوخ. قد يتحدى أحدهم قرارات أوباما في المحكمة. لكن كيف لقاضٍ أن يستنتج أن الرئيس تصرف بشكل غير دستوري، إذا كان الكونغرس قد أعطى تعليمات متناقضة؟من الجنون مجرد خوض مثل هذا النقاش. يجب إلغاء السقف الآن. إنها دعوة للأذى.(فايننشال تايمز)
اقتصاد
سقف الدين... معادل تشريعي لقنبلة نووية
19-10-2013