قال الناقد الأدبي الدكتور صلاح فضل إن الموروث الثقافي والديني أكثر عمقاً لظهور الأديان السماوية الثلاثة في بيئتنا العربية وكل ما يحيط بها من شبكة حضارية تصب في هذا الموروث الروحي، مشيراً إلى أن ميراثنا الفني الذي يتصل بكل ما يبدعه الإنسان في حياته من رسم وتصوير ونحت وموسيقى وغناء، هو الذي يعادل في أهميته ويمثل جزءاً أساسياً من شخصية أي شعب من الشعوب.

Ad

جاء كلام فضل خلال ندوة في معرض القاهرة الدولي للكتاب بعنوان «المثقفون والصراع السياسي». وأضاف: «ثمة بعدان متجددان نضيفهم إلى التراث الثقافي والفني دائماً هما البعد العلمي والمعرفي لأن العلوم بطبيعتها تتطور، ففي العصور الماضية كانت الفلسفة تعلو على كل العلوم، أما في عصرنا الحالي فقد تخلت عن دورها وحلت محلها العلوم التجريبية وأهمها علم الحياة، لأن العلوم التجريبية أصبحت بعداً أساسياً في الثقافة الحالية التي تسهل حياتنا وتمكننا من السيطرة، كذلك ثمة إبداعات متصلة بالفنون والكمبيوتر».

وأشار د. فضل إلى أن الجمع بين الموروث والمتجدد هو الذي يضمن سلامة وسوية الأمة، وأن أي محاولة لاختزال هذا المركب الثقافي يصيب أي ثقافة بالضمور والتدهور. من هنا، كان القلق على مصير الثقافة العربية نظراً إلى التطورات السياسية الراهنة.

كذلك أوضح أن خلاصة التطورات السياسية الراهنة خلال العامين الماضيين أننا ننتقل من عصور الاستبداد والطغيان إلى فكر الديمقراطية، في حين أن ثقافة الديمقراطية لدينا لم تتأصل فينا بعد، وأحد أهم العناصر فيها قبول التعدد والاختلاف وعدم سعي أي طرف إلى فرض أرائه ومبادئه على الفرد الآخر، بالإضافة إلى التعايش السلمي وفرائض الحرية الإنسانية، لذلك أي تيار سياسي يحاول استغلال الديمقراطية والقفز بها على التحول الديمقراطي، وهو ما يسمى بالانتهاز السياسي يكون قد خرج من السباق وخرج على قواعده ولا يكتب له الاستمرار.

وتساءل فضل: «هل نحن مقبلون كما يتوهم كثر على ردة ثقافية؟ بينما كانت فنوننا تبشر بشيء من الازدهار وتتنفس في هامش من الحرية»، موضحًا أن جميع الشعوب في سعيها إلى التقدم تعتمد على معايير ثابتة ومقياس لتقدم الإنسان الذي ينطبق علينا مثل الشعوب، من بينها التمسك بالحريات بأشكالها كافة، السياسية منها فلا يستبد فصيل يحاول دون تداول السلطة سلميًا، والحرية الاقتصادية وهي محكومة بشرط جوهري بخبرات الشعوب، وهي مشروطة بالعدالة الاجتماعية ومحاربة التوحش الرأسمالي، الذي يوسع الهوة بين الفقراء والأغنياء. كذلك الحريات الثقافية والسياسية والاجتماعية... هذه المعايير كافة هي مؤشر التقدم، وأي محاولة لقص جناح الحرية تحت أي ذريعة هي ضرب للمكاسب الإنسانية وتقدم الشعوب.

وأكد د. فضل أن البشر كلما ضاقت عليهم بلادهم أصابهم بالضرورة قدر من التعصب، ورأوا شعوبًا أخرى تعيش حريتها ومستقبلها، ويتسع أفقها، فيتمسكون بالنزعة الإنسانية، ليطالب بحقوقه المشروعة.

وأوضح فضل أن التحول من الجهل إلى العلم يعني أنه كلما تقلصت في حياة الشعوب مساحات الإيمان بالسحر والخرافات وكل العقائد القديمة التي كان الإنسان يميل إليها قديمًا لتفسير ظواهر الطبيعة وكلما ظهرت تفسيرات حضارية تتسق مع جوهر الدين كلما كانت المجتمعات أكثر تقدما، داعيًا إلى ضرورة محاربة الخرافات والخلط بين الدين الحق المستنير والمعتقدات الجاهلة في العصور الوسطى القديمة.

ودعا فضل الأحزاب إلى أن تبلور مشروعات حقيقية لتتطور مصر بدلاً من مداعبة عواطف الشعب الدينية، فلا بد من النهوض بمصر ليعم الرخاء ويزيد الإنتاج وتغطي الخدمة الصحية الطبقات كافة، وإلى ضرورة أن يكون طعامنا من إنتاجنا وأن يتقدم التعليم لدينا، ذلك بمواجهة تحديات العصر بعقل علمي وقدرة على الإبداع.

الدكتور حسام عقل (أستاذ النقد الأدبي في كلية الآداب في جامعة عين شمس) قال بدوره إن الوطن المصري يمر بمرحلة محتقنة، حيث تصور كثر أن المشكلة تكمن في إزاحة الطاغية واكتشفنا بعدها أننا دخلنا في الاختبار الثاني وهو تعايش الفرقاء.

وتساءل: «هل يمكن لهذا الثالوث اليساري والليبرالي والإسلامي الجلوس إلى طاولة واحدة لصنع عقد اجتماعي جديد؟ خصوصًا أننا نحتاج إلى كل واحد منهم، فاليساري نحتاجه لأجل العدالة الاجتماعية، أما الليبرالي فنحتاج منه إلى الحريات المدنية، أما الإسلامي فنريد منه الوسطية المعتدلة لعمل المنظومة الوطنية. هل يمكن أن نصنع ذلك من خلال الحوار؟ هذا هو الاختبار الذي علينا أن نجتازه».

وأكد عقل أن وظيفة المثقفين هي صناعة عقد اجتماعي جديد من خلال تبصير الناس بمعنى الحرية وتجلياتها السياسية والحياتية، موضحًا أن استنساخ تجارب اليسار العنيف لمصر أمر مرفوض يهدد أمن مصر، مؤكدًا على أن تجربة «البلاك بلوك» هي استنساخ للغلو والتزمت وعلينا أن نرفضه.