رقة الفن المخبّأة!

نشر في 30-07-2013
آخر تحديث 30-07-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي بالرغم من كل الضجة والصخب والعنف الكامن خلف الكلمة المبدعة، فإنها مرهفة ورقيقة ومتطلِبة كأكثر وأصعب ما يكون. فالفن المبدع: قصة وقصيدة ورواية ولوحة وفيلم ومسرحية، بحاجة إلى بيئة مستقرة ومزدهرة بحريتها وديمقراطية، أو مستقرة ومستنفرة تحت دكتاتورية وطغيان وظلم نظام الحكم فيها!

فتحت ظل الاستقرارين تنبت وتتفرع وترتفع وتنتشر الأعمال المبدعة. وفي ظل بيئة تضج باهتزازات اضطرابها وخاصة الأمني، وخوف وتضعضع أحوال وتشرد أبنائها فإن الفن، وبالرغم من كل عنفوانه، يختبئ ويتوارى وإن ظهر فإنه يظهر على استحياء، كتابةً وقراءة!

طغاة الحكام الدكتاتوريين، زجوا بالكتّاب والفنانين الذين خالفوهم الرأي في السجون، وكم من كاتب أمضى زهرة شبابه وجل سنوات عمره في الزنزانة، بسبب رواية أو ديوان شعر أو لوحة! فالأنظمة التسلطية القمعية الكارهة للحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية تخشى وترتعب من الكلمة، لأنها تعرف فعلها الساحر في نفوس جمهور القراء، وتدرك أنها بالرغم من ضعفها وحساسيتها العجيبة، فإنها قادرة على هزِّ عروشها وربما إسقاطها.

لقد كتب الأدباء العرب أعمالاً مبدعة ستبقى وثيقة تاريخية شاهدة على ظلامية عصرهم ودكتاتورية الحاكم وتجبّره. كتبوا ذلك في مجتمعات مستقرة تحت حكم عسكري مخابراتي قمعي لا يسمح لكاتب أن يتنفس إلا بأمره.

ومع هذا كسر الكتّاب التقدميون الشجعان المؤمنين بالحرية عصا الطاعة، وخرجوا واحتقروا إرهاب الحاكم وكتبوا أعمالاً كالمخرز في عينه، ودفعوا ثمناً مكلفاً لذلك. وليس أدل من سجون العراق وليبيا وسورية ومصر في فترات ليست قليلة من تاريخها الحديث! وفي مقابل ذلك خطَّ كتّاب آخرون أعمالاً مبدعة تحت ظل أنظمة ديمقراطية، ولستُ أنحاز الى وطني الكويت أو لبنان على سبيل المثال، فأقصى ما يمكن أن ينال الكاتب في الكويت إذا ما كتب عملاً يشعر رقيب وزارة الإعلام أنه لا يتماشى وهوى التوجه الحكومي، هو منع الكتاب من التداول، في المكتبات الكويتية.

إن اضطراب دول ما بات يُعرف بالربيع العربي، أصاب الكلمة المبدعة في مقتل، فكيف بكاتب سوري يرى الدمار والخراب والدم والضياع والقتل اليومي أن يختلي بنفسه ليكتب قصة أو رواية؟ وأين له بمأمن بالٍ أو مكان أو خاطر ليكتب كلمته؟ وإذا ما كتب تلك الكلمة المبدعة، فأين تراه ذاك القارئ الذي سيتفرغ لقراءتها؟ ففي بيئة تقصف طائرات النظام البيوت الآمنة، ويقف شخص متخلف ليسلبك روحك بعد أن يتهجى اسمك، أو يهجس ديانتك، كيف لإنسان أن يكتب وكيف لإنسان أن يقرأ؟

إذا ما تركنا مصير سورية ومأساتها المؤلمة، والتي من الصعب تعويضها في القريب المنظور، فإن اضطراب أحوال مصر ليس ببعيد عن ذلك، مع اختلاف الحالة. فشارع يموج بالغضب، والاستعداء والحوادث اليومية، وسط أمن بات مضطرباً، أثر ويؤثر بشكل متسارع ومتزايد على النتاج الإبداعي، وغني عن القول النقدي. فالقراءة الأدبية والكتابة النقدية في ظروف الاختلال تغدو ترفاً لا مسوغ له!

وضع سورية ومصر، وإذا ما أضيف إليهما العراق وتونس وليبيا والبحرين والأردن مؤكد أنه انعكس سلباً على الكتابة الإبداعية، ومؤكد أيضاً أنه انعكس أضعافاً مضاعفة على النقد، والمتابع للصفحات الثقافية العربية، يرى بوضوح انصراف النقاد العرب عن النتاج الإبداعي، أو اقترابهم منه على استحياء بالنظر إلى غرقهم في أوضاع بلدانهم المضطربة.

الكاتب قبل أن يكون كاتباً هو ابن وطنه، وهو مزروع في تربة أرضه، لذا فهو يعيش كل آلام واضطرابات وعدم استقرار وطنه، ويختزنها، وقد يدوّن حوادثها، لكنه في لحظة تزلزل الأرض تحته يكون في بعدٍ عن الكتابة، وليس من يمتلك أن يلومه على ذلك!

back to top