ما الفرق بين التطرف والوسطية في الإسلام؟

Ad

لا بد من أن نعترف أولاً بأن لدينا أزمة في المصطلحات والمفاهيم، وفي تحديد التفسير الصحيح لها، بسبب الآلة الإعلامية الغربية التي لديها إمكانات ووسائل  تستطيع من خلالها فرض سيطرتها على البلاد الإسلامية، وتُعرّف كل من يختلف معها بأنه متطرف، فالإسلام هو أول منهج تحدث عن الوسطية ومفهومها.

الوسطية، وفقاً للإسلام، هي كل ما يوافق الكتاب والسنة، فإذا قرأنا التاريخ الإسلامي بتأنٍّ، سنجد أن الفقهاء لم يأخذوا بالروايات الشاذة في الحديث أو الفقه، أما التطرف فهو خاص بالأفكار المتشددة البعيدة عن وسطية الإسلام، ولا يمكن اعتبار كل من يخالف القواعد التي وضعها النظام الدولي القائم على الليبرالية مخالفة لوسطية الإسلام.

كيف يمكن التعامل مع الآراء المختلفة للعلماء في بعض القضايا؟

لبعض العلماء آراء شاذة، أحياناً، لا يوافق عليها جمهور الفقهاء في بعض المسائل، مثال على ذلك «ابن حزم»، لكن لا يعني ذلك أن آراءه وفتاويه كلها غير صحيحة، فلا يمكن أن نختزل الشخص في بعض المواقف وبعض الأراء، علماً أن التطرف لا يمكن محاصرته إذا كان المفهوم الوسطي مغلوطاً، لأنه يؤدي إلى  تعميق الأفكار المتشددة.

من يحق له إصدار فتوى أو رأي في قضية شرعية؟

كما ذكرت لك، لا يمكن اختزال عالم دين في فتوى أو رأي شاذ أعلنه. المسؤولون عن الإفتاء وإعلان الرأي الشرعي في القضايا الحياتية هم علماء الدين، وإن كان لأحدهم رأي شاذ فلا يعتدّ به، ويؤحذ بما أبداه مجموع العلماء، فليس من المعقول أن يجتمعوا على ضلال.

واختلاف الإسلاميين له أقسام، فالخلاف في دائرة الاجتهاد المقبول لا يعدّ تطرفاً، حتى لو كان الرأي الذي يقوله العالِم في القضية غير متداول، مثل قضية النقاب، فبعض العلماء اعتبروا أن ارتداء النساء له شيء من التطرف، بينما في دول أخرى يعتبر النقاب زي المرأة العادي ترتديه باستمرار.

تفسير التطرف باعتباره كل شيء لا يعرفه الناس في مجتمع ما ولا يميلون إليه غير صحيح، في حين أن المفهوم الصحيح له هو كل خروج عن النص أو تحميل النص ما لا يحتمله من دون اعتبار النصوص الأخرى المقيدة له.

ما الوسائل التي يمكن من خلالها مواجهة الخطاب الاستشراقي الذي يسعى إلى تنميط صورة الإسلام في الغرب كدين مبني على العنف؟

التطرف مشكلة الآلة الإعلامية الغربية التي تروج للمجتمع الإسلامي باعتباره مجتمع التطرف بهدف تحقيق أهداف سياسية، وهو ما يتم رصده في التقارير الصادرة عن مراكز الأبحاث التي تربط  بين توقيت إطلاق وصف «التطرف» على الإسلام وبين الأزمات السياسية مع بعض الدول ذات الأغلبية المسلمة، كما حدث في أفغانستان مثلاً، حيث استغلت الولايات المتحدة الأميركية أحداث 11 سبتمبر 2001، لتبرير الحرب التي شنتها على أفغانستان لأسباب سياسية أخرى، والواقع يقول إن المجتمعات الإسلامية منفتحة وصحية، بدليل النقد الذاتي المتمثل بمراجعات وردود يقوم بها رجال الدين والفقهاء.

لكن يرى مفكرون غربيون أن غزوات رسول الله تعدّ عنفاً ضد المخالفين.

ثمة فرق بين العنف والقوة، بمعنى أن مفهوم استخدام القوة مفهوم بشري ونستخدمه لحماية أنفسنا، وثمة طرق لاستخدامه منها ما هو شرعي مثل الدفاع عن النفس ضد أيّ اعتداء أو حماية المقدسات من أيّ اعتداءات، ومنها ما يتحول إلى عنف، وإذا تحدثنا عن غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم)، نجده يعامل أهالي البلاد  المفتوحة معاملة حسنة بعد انتصاره، ويمنحهم مقاليد الحكم ويرسي المبادئ والأسس للحكم الإسلامي الصحيح.

 عندما  صادف الرسول في إحدى الغزوات أماً تبحث عن ابنها الأسير أطلق سراحه، فكان قدوة لقادة الإسلام من بعده الذين ساروا على دربه، نذكر منهم على سبيل المثال صلاح الدين الأيوبي وتصرفاته مع الصليبيين التي سجلتها مؤرخو أوروبا وأشادوا بها.

 على النقيض تجد أن الغزوات التي قادها ملوك أوروبا في الحروب الصليبية استخدمت العنف المفرط ضد المدن الإسلامية في الشام، كذلك الهجمات البربرية على الدول التي غزتها أوروبا سببت الخوف والرعب لدى النساء والأطفال والشيوخ، إذ استخدمهم  قادة الجيوش الغربية كدروع بشرية ومن ثم قتلوهم، خلافاً للفتوحات الإسلامية التي كان يقودها النبي (صلي الله عليه وسلم)، فعن أيّ عنف يتحدثون؟

هل ترى أن الجانب السياسي طغى على الجانب الدعوي للإسلام؟

السياسة جزء لا يتجزأ من الإسلام، جاء الدين الإسلامي كمنهج كامل في الحياة لا ينفصل فيه العمل السياسي عن الدعوة، لكن المشكلة هي ممارسة السياسة بالأساليب الغربية التي تختلف عن الأساليب الإسلامية، عندها تحدث فجوة بين ما يجب أن يكون وما هو قائم بالفعل الذي يبحث عن أهداف الدنيا والفوز في الانتخابات، وقد باتت له الغلبة حتى داخل بعض الأحزاب الإسلامية.

إلى أي مدى يمكن أن يتحول التطرف الفكري والديني إلى عنف على مستوى الشارع؟    

ثمة مشكلة في المجتمعات العربية وهي أننا نعاني  تغييب الإسلام كمنظومة في حياتنا، ثم نحاكم الإسلام وفقاً لأفعال المجتمع، فما يُبثّ إعلامياً ويدرّس في المدارس لا يتم وفقاً للمنهجية الإسلامية.

 على سبيل المثال أعمال فنية كثيرة تروج لصورة محترفي الإجرام «البلطجية»، فماذا تنتظر من الفئات الموجودة في المجتمع التي لم تتلقَّ توجيهاً دينياً وأقصى ثقافتها ما تشاهد من محتوى تلفزيوني؟

كذلك تضم مناهج التعليم في المدارس نماذج سلبية من دون أن توضح للأطفال المخاطر المختلفة. ثمة  غياب كامل للمنظومة التربوية والتعليمية والفنية والإسلامية في مجتمعنا، وفي ظل غياب هذه المنظومة الإسلامية - التي لا تحكم- يتم محاسبتها، فأيّ تعسف هذا؟!

 عندما نجحت الثورات العربية في إسقاط الأنظمة العربية بشكل سريع ومفاجئ، حدثت هزة داخل الفكر الجهادي لدى الإسلاميين، وتزامن ذلك مع خروجهم إلى النور وممارستهم السياسة عملياً، لكن سيطر تحفظ وتخوف لدى بعض الإسلاميين من ممارسة العملية السياسية، فضلا عن وجود سيناريو قائم لديهم؛ يفكرون فيه دائماً، وهو الانقلاب عليهم مرة أخرى وتعرضهم من ثم للقتل، فالسيناريو الجزائري بمثابة هاجس لدى البعض ويعتبره قائماً بالفعل.

كيف تقيّم نظرة الغرب لمشاركة الإسلاميين في الثورات العربية السلمية؟

يفهم الغرب الإسلام جيداً، مشكلته ليست في منظومة المسلمين، بقدر ما هي مشكلة ثقافية وسياسية متعددة الجوانب، على سبيل المثال لم تكن للإساءة إلى الرسول  في الفترة الماضية علاقة بتعرض الغرب لأي هجوم، لكنه موروث ثقافي منذ عقود.

لدى الغرب مشروع توسعي ويعتبر المنهج الإسلامي معادياً له ويحدّ من طموحاته،  لذا  يضع الإسلام في خانة «فزاعة» التطرف، فكل ما يبحث عنه الغرب هو مصلحته بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى.

ما الفرق بين الجهاد والإرهاب؟

كل ما وافق فقه الجهاد منصوص عليه في الشرع، فجهاد الدفع هو واجب شرعي على المسلمين للدفاع عن الأرض، ولا يشترط فيه ولاية أو راية، وهو الجهاد المقصود به تحرير الأراضي ومواجهة الغازي والمعتدي، أما جهاد الطلب فلا بد من أن تكون له ولاية وراية، ولا يحدث إلا تحت راية وولاية مثلما كان يحدث أثناء الفتوحات الإسلامية.

كيف ترى الدور الذي يجب أن يقوم به الأزهر لنبذ العنف في العالم الإسلامي؟

الأزهر مؤسسة دينية عريقة لها دور في تاريخ الأمة الإسلامية، لكن لا أحد ينكر أن دوره، خلال العقود الأخيرة، تراجع بسبب الطابع السياسي الذي غلب عليه منذ منتصف التسعينيات، لذا لا بد من أن يؤدي الأزهر دوره الحقيقي في مساندة الجهاد ونبذ التطرف، باعتباره مؤسسة مستقلة لا تتبع أي جهة سياسية، ولا يكون لرئيس الجمهورية سلطة عليه.

هل وضع الإسلام قواعد التعامل مع العنف اللفظي؟

نصّ الإسلام على خطورة الكلمة وجعل الأصل في الحديث؛ الصمت، بينما ينطق المرء بالكلمة عندما يتبين المصلحة، والإسلام قدم الكلمة الحسنة على غيرها، والأصل في الحديث هو الإحسان اللفظي، إذ حث القرآن على التعامل بالحسنى مع الآخرين والدعوة إلى الدين بالموعظة الحسنة، وهو ما ورد في القرآن والسنة.

عندما كلم الله نبيه موسى (عليه السلام)، ودعاه إلى التوجه إلى فرعون لهدايته، لم يأمره بالشدة ولكن باللين والحكمة، على رغم جبروت فرعون وعتوه، فالعنف اللفظي في الحديث يؤدي إلى نتيجة عكسية ويضعف من حجج الإسلام القوية، ويخلق حالة من التعاطف مع من تعرض للعنف اللفظي.

نبي الله إبراهيم لم يسبّ قومه ومع ذلك انتصر عليهم، فضلا عن أن السباب الذي يستخدم أحياناً في الأحاديث الإعلامية، الإسلام الحقيقي براء منه.

يستند البعض إلى حديث «من رأى منكم منكراً...» باعتباره رخصة إسلامية لممارسة العنف... كيف ترى ذلك؟

الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  هو ما يميز المجتمع الإسلامي عن غيره من المجتمعات، بما يضمن الحفاظ على المجتمع من انتشار الفاحشة وتدميره، على غرار ما يحدث في المجتمعات الغربية التي تفتقد إلى هذا الأمر، ومحاولة اعتبار هذه الشعيرة العظيمة رخصة لممارسة العنف أمر غير صحيح، لأن الإسلام، كما ذكرنا سلفاً، دعا إلى الحديث بالحكمة والموعظة الحسنة وليس بالعنف، فضلاً عن أن استخدام بعض أساليب البشر في التعامل مع بعض المواقف يؤدي إلى إضعاف حجة الإسلام التي تكون قوية بالقرآن والحديث.

كيف يمكن مواجهة التشدد الفكري تجنباً لاتساع دائرة العنف في المجتمعات الإسلامية؟

التشدد الديني ليس كبيراً داخل الوسط الإسلامي، فغالبية الإسلاميين يتسمون بالوسطية والاعتدال بدليل خروج كلام أيمن الظواهري برفض العنف في مصر، وهي تصريحات لم يكن يتخيلها كثيرون.

ثمة فارق بين رد الفعل والتشدد، فعندما يتعرض الإسلام للانتقاد يرد الإسلاميون بفعل مناسب، وإذا أردنا منع التطرف بشكل حقيقي في المجتمعات الإسلامية، فلا بد من إقرار قوانين ضد التطرف العلماني الذي يسمح بالهجوم على الإسلام والسخرية منه وانتقاد عقيدته. يحتاج العالم الإسلامي إلى جهات حقيقية تواجه أزمات الأمة وتتدخل لحلها.

إلى أيّ مدى دعانا الإسلام إلى دعم حقوق المرأة وحمايتها؟

ثمة صورة نمطية مفادها أن العنف مرتبط بالشرق على رغم وجوده في الغرب بشكل كبير، من قال إنه لا يوجد عنف ضد المرأة في الغرب، بدليل رواية الإعلامية أوبرا وينفري عن معاناتها مع زوج والدتها الذي اغتصبها وهي طفلة وغيرها كثيرات من نساء الغرب اللواتي تعرضن للمصير نفسه.

في المقابل لا تسلّط الأضواء على المجتمع الشرقي  وعلى أن الإسلام كرّم المرأة وأعلى من شأنها، من هنا تجد أن أكثرية من يعتنق  الإسلام في الغرب من النساء، نظراً إلى معاناة المرأة هناك  خصوصاً عندما تواجه المجتمع والحياة وحدها، وفشلها في ظل المنظومة الاجتماعية في تكوين أسرة على غرار المجتمع الإسلامي.

في سطور

خطيب وداعية إسلامي منذ 18 عاماً في أحد مساجد المنصورة.

له مؤلفات شرعية وأبحاث علمية في الفقه والشريعة الإسلامية.

أحد قيادات الجبهة السلفية السابق.    

التحق بدعاة وخطباء أنصار «السنة المحمدية» في المنصورة.

رئيس مركز أبحاث الشريعة المختص بتقديم حلول للإشكاليات الواقعية التي تواجه تطبيق الشريعة في الحياة اليومية.