مأزق المعارضة السورية!
الأزمة التي تعانيها المعارضة السورية، وتسببت في فشل اجتماع إسطنبول أو على الأقل إرباكه وتأخير محاولة توسيعه واتخاذ قرار بشأن مؤتمر "جنيف2" الذي من المفترض أن يعقد الشهر المقبل، سببها إصرار جهة عربية على فرض الإخوان المسلمين، السوريين بالطبع، كقيادة لهذه المعارضة، على غرار ما حدث في مصر عندما فرض الأميركيون بالتنسيق مع بعض القيادات العليا في الجيش الإخوان المصريين فرضاً على الشعب المصري وقواه الوطنية، فكان هذا الارتباك وهذا التخبط وعدم الاستقرار الذي نراه الآن.لا يمكن إنكار أن "إخوان سورية" قدموا تضحيات كبيرة، ودفعوا ثمناً غالياً عام 1982 خلال مذبحة حماة الشهيرة، ولا يمكن إنكار أنهم أكثر انفتاحاً وديمقراطية واستعداداً لقبول الآخرين من "إخوانهم" في مصر والأردن، الذين تخلوا عنهم بينما كانوا في ذروة محنتهم وتحالفوا مع نظام حافظ الأسد ونظام ولده بشار، لأنه احتضن "حماس" لأسباب معروفة، ولأنه أقام حلفاً مع إيران تحت عنوان "الممانعة والمقاومة". وحقيقة إنه لم يمانع ولم يقاوم وكانت هذه كذبة كبرى هدفها تعزيز أوراقه التفاوضية مع الإسرائيليين والأميركيين.
إنه لا يمكن إنكار دور الإخوان المسلمين السوريين، سابقاً ولاحقاً، لكن هذا يجب ألا يعني أن يتم فرضهم فرضاً كقيادة فوقية للمعارضة السورية، فهناك قوى أخرى هي التي لها الوجود الفعلي على الأرض وهناك الجيش الحر الذي يتحمل العبء الرئيسي في القتال في الداخل ثم هناك التكتلات الثقافية والليبرالية والعلمانية التي تعطي صورة مقبولة لمستقبل هذا البلد الذي عانى طويلاً من صيغة الحزب الواحد والقائد الأوحد والنظريات التي يجري تطبيقها بالحديد والنار وقوة الأجهزة الأمنية. لقد قدم الشعب السوري العظيم، حقاً، كل هذه التضحيات، التي تتجاوز تضحيات الربيع العربي في كل الدول التي حطَّ فيها رحاله مجتمعة، من أجل التخلص من حكم واستبداد الحزب الواحد واستبدال هذا الواقع المتخلف وهذا النظام، الذي لم يعد هناك من يشبهه في العالم بأسره إلا هذا النظام الغريب العجيب في كوريا الشمالية، بنظام تعددي ديمقراطي وبواقع يتماشى مع معطيات القرن العشرين وقيمه الاجتماعية والسياسية، وهذا يعني أن من الطبيعي أن يرفض هذا الشعب وأن ترفض أغلبية فصائل معارضته وثورته استبدال حزب البعث بحزب الإخوان المسلمين، واستبدال الاستبداد "التقدمي"! باستبداد تُرفع فوقه راية "الإسلام هو الحل".إن من حق الإخوان المسلمين أن يتمثلوا في قيادة المعارضة بمكانة يستحقونها، لكن ما هو ليس من حقهم "أن يركبوا رؤوسهم" بدفع من بعض الجهات العربية وأن يصروا على "أخذ الجمل بما حمل" وأن يجعلوا تمثيل رفاقهم في "الجهاد" وإخوتهم في السلاح مجرد "تزويق" ديكوري وأنْ يتسببوا في كل هذا الارتباك الذي تعيشه ثورة قدمت كل هذه التضحيات، وأن يتسببوا أيضاً في تسرب اليأس والإحباط إلى قلوب ونفوس أبناء الشعب السوري الذي تجاوزت أعداد شهدائه، وفقاً للتقديرات والإحصاءات الدولية، ثمانين ألفاً.وهنا فإن ما هو معروف هو أن معظم الثورات العربية والعالمية مرت بهذه التجربة التي تمر بها الثورة السورية، وإن كانت بعض هذه الثورات قد أخفقت أو تأخر انتصارها فتضاعف حجم تضحياتها وتضحيات الشعوب التي كانت تقودها ولذلك فإن على "الإخوان" حتى لا يتحملوا مسؤولية ستلاحقهم كتنظيم وكأفراد إلى أبد الآبدين أن يتمسكوا باستقلالية قرارهم وأن يُفهموا "الأشقاء" الذين يدعمونهم أن من غير الممكن أن تكون حصتهم في المعارضة كحصة الأسد في شراكته مع الذئب والثعلب في تلك القصة المعروفة حيث حصل أسد الغابة والمقصود هنا ليس الرئيس بشار على الأرنب لفطوره وعلى الغزال لغدائه وعلى الثور لعشائه!