سلبية أوباما الخطيرة تجاه أحداث مصر وسورية إلى الواجهة
حين تنازل الرئيس أخيراً ليتحدث عن أزمة مصر كانت النتيجة خطاباً مدروساً و«مريعاً» ولا يشمل إلا تدابير جزئية كالمعتاد: سيتم إلغاء تدريب عسكري يحدث مرة كل سنتين، ما يجنّب البيت الأبيض بعض جلسات التصوير المحرجة.
منذ بضعة أشهر، كان الأمل لا يزال موجوداً بأن يؤدي تصاعد مظاهر الفوضى في الشرق الأوسط وتجديد فريق الأمن القومي لدى الرئيس أوباما إلى حث الرئيس على الخروج من الجمود الهائل الذي يطبع السياسة الخارجية.لكن يبدو أن سلبية الرئيس العجيبة في وجه الأزمات ترسخت بالكامل الأسبوع الماضي فيوم الأربعاء، حين أَرْدت قوى الأمن المصرية مئات المدنيين في شوارع القاهرة، كان أوباما يلعب بكل هدوء جولة جديدة من الغولف في جزيرة مارثا فينيارد، وتولى نائب سكرتيره الصحافي الحديث أمام المراسلين كي يشرح أن الإدارة تصر على عدم توصيف طبيعة ما حدث في مصر.
حين تنازل الرئيس أخيراً ليتحدث عن الأزمة بنفسه في صباح يوم الخميس، كانت النتيجة عبارة عن خطاب مدروس و"مريع" ولا يشمل إلا تدابير جزئية كما جرت العادة: سيتم إلغاء تدريب عسكري يحدث مرة كل سنتين بعد أن كان مقرراً في الشهر المقبل، ما يجنّب البيت الأبيض بعض جلسات التصوير المحرجة، لكن تبقى العلاقة العميقة مع الجيش المصري (تشمل مساعدات سنوية بقيمة 1.3 مليار دولار) على حالها.بسبب الأزمة المحتدمة في مصر، تحولت الأنظار عن الحرب الأهلية المستمرة في سورية حيث أدى إصرار أوباما على رفض التحرك إلى تسهيل نشوء أكبر وأخطر ظهور لتنظيم "القاعدة" منذ أفغانستان قبل عام 2001. بين هاتين الأزمتين، كانت أحداث مصر وسورية تمنع معظم الناس من التفكير باليمن (باستثناء قرار إغلاق السفارة الأميركية وتزايد حملات الطائرات بلا طيار بوتيرة جنونية بسبب مخطط "القاعدة" للاستيلاء على معظم أجزاء البلد). ولا داعي لنذكر البحرين (دولة حليفة أخرى مقرّبة من الولايات المتحدة) حيث تعرّض المحتجون للقمع أيضاً الأسبوع الماضي من دون ذرة احتجاج من واشنطن.يبدو أوباما وكأنه رئيس هارب من العالم الذي لا يشبه ما تصوّره حين استلم الرئاسة، فاعتبر الرئيس أنه سيحسّن العلاقات الأميركية مع البلدان الإسلامية تزامناً مع سحب القوات الأميركية بسلاسة من العراق وتركيز طاقته على مناطق ومسائل أخرى: آسيا، والسيطرة على الأسلحة النووية، والسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكنه واجه انتفاضة شرسة في المكان الذي أراد معالجة المشاكل فيه.يواجه جميع الرؤساء صعوبة في التكيف مع المشاكل التي تعترض طريقهم وليس الأحداث التي يتوقعونها، ويمكن القول إن الرئيس جورج بوش الابن ردّ على اعتداءات 11 سبتمبر عبر إعادة رسم رؤيته العالمية وطموحاته الدولية بطريقة متطرفة، أما رد أوباما على الثورات العربية، فقد سار في الاتجاه المعاكس: التمسك بأولوياته الأصلية فضلاً عن إطلاق مواقف متعنتة ترفض الاعتراف بأن الأزمات العربية يجب أن تكون على رأس أولويات سياسته الخارجية. في السنة الماضية، اندهش حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وأوروبا حين أصر أوباما على إطلاق محاولة فاشلة لإقناع الرئيس الروسي النافذ فلاديمير بوتين بخوض جولة جديدة من المحادثات بشأن تخفيض الأسلحة النووية تزامناً مع تحمّل التدخل الروسي السام في سورية، ورفض اقتراح فريقه الأمني الخاص بضرورة التحرك الأميركي، كما أنهم وجدوا صعوبة في فهم موقف وزير الخارجية جون كيري الذي جعل من تجديد المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية العقيمة محور تركيزه، بموافقة أوباما طبعاً، وذلك تزامناً مع الابتعاد عن أحداث مصر.ما يثير الدهشة هو أن بعض المسؤولين المقربين من كيري اعتبروا في الأسابيع الأخيرة أن أحد الأسباب التي حالت دون وصف أحداث مصر بالانقلاب هو تجنب فشل "عملية السلام" في الشرق الأوسط، علماً أن احتمالات نجاحها تبقى غير واضحة خارج أوساط الإدارة، حتى بالنسبة إلى الإسرائيليين والفلسطينيين أنفسهم. وفق منطق التفكير هذا، لا داعي للقلق بشأن المدينة المحترقة فنحن منشغلون ببناء "قرية بوتيمكين" الوهمية!تحتاج الثوارت العربية إلى مبادرات جريئة من جانب الولايات المتحدة وأي قوة خارجية أخرى تريد التأثير في نتائجها، إذ كان يمكن أن تكون الضربات الجوية الرامية إلى إضعاف الجيش السوري مبادرة جيدة أو يمكن أن تشمل مبادرة أخرى قطع المساعدات العسكرية لمصر، لكن في مجال السياسة الخارجية، يُعتبر أوباما رئيس المبادرات الجزئية والنقاشات الداخلية اللامتناهية التي تترافق مع قرارات رئاسية ضعيفة لا تفيد استراتيجية أحد. بدل التدخل في سورية لإحداث فرق معين، يتم إرسال شحنات أسلحة ضئيلة إلى الثوار، وبدل قطع العلاقات بشكل حاسم مع الجنرالات الذين خرجوا عن السيطرة في مصر، يتم إلغاء تدريب سخيف.إذا أردنا ذكر حسنة واحدة في هذا السجل، يمكن التحدث عن ردة الفعل تجاه ما يحدث: فقد تجدد الجناح الذي يؤيد النزعة الدولية في الحزب الديمقراطي، علماً أن هذا الفرع بدا شبه ميت في نهاية إدارة بوش. لا نعني بذلك المحافظين الجدد المألوفين بل ينتقد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون من أمثال كارل ليفين وروبرت ماننديز فشل أوباما في التحرك بزخم أكبر في سورية، فلا يقتصر الأمر على جون ماكين وليندسي غراهام بل يطالب مجلس تحرير صحيفة "نيويورك تايمز" أيضاً بتعليق المساعدات العسكرية لمصر.ربما أراد أوباما التخلي عن العقيدة التي تعتبر الولايات المتحدة "الدولة التي لا غنى عنها" في العالم، لكن قد تؤدي النتائج الكارثية الناجمة عن سلبيته الدائمة إلى إعادة إحياء تلك العقيدة.* جاكسون ديهل | Jackson Diehl