"أبناء الجبلاوي"، هي الرواية الرابعة لإبراهيم فرغلي، والرواية الأولى والعمل الأول الذي أقرأه من أعماله كلها، لذا وددت لو أنه قد سبق لي قراءة بعض من أعماله السابقة حتى أستطيع أن أكون فكرة موسعة عن كتاباته، التي هي بلا شك لها خصوصية وروح عمل مختلفة تمام الاختلاف عن غيره، كما أن له مذاقا وجدة لها نكهة متميزة، لذا كان من الصعب تكوين فكرة عن طريقته وأسلوبه الكتابي من هذه الرواية التي أقرأها للمرة الأولى، خاصة مع كثرة هذه التقنيات وتداخل أصوات الشخصيات وكثرة الرواة في المشاهد والفصول الذي جعل من الرواية ساحة للعب وتبادل الأدوار في الحكي حتى يدوخ القارئ من كثرة الحكي.

Ad

يفتتح القصة بشخصية "كبرياء فهمي" الذي يحكي عن حياته التي تدور بين أمه المقيمة في دار المسنين برغبتها من بعد ما ربت ابنها كبرياء الذي أرجعته من دار الأيتام حين بلغ الثالثة من عمره، ونسبه رفيق فهمي إلى اسمه، ثم نكتشف أنه في الواقع هو جده الذي يترك له ثروته من بعد وفاته بحادثة قتل.

وهناك أيضا نجوى حبيبة كبرياء التي تتعرى له، الأمر الذي سيتكرر في المشهد المكتوب لدورها الآخر مع شخصية أخرى.

وأيضا هناك حادث محوري في الرواية وهو اختفاء جميع كتب نجيب محفوظ من كل مكان في المدينة وظهور أبطال شخصياته بين الناس.

وفجأة يختفي السارد الأول، وهو كبرياء ليتنقل بعدها السرد ما بين نجوى، وقرين كبرياء وقرينة نجوى، حتى يأتي سارد آخر وهو "كاتب الكاشف" الذي نكتشف أنه هو من يكتب رواية بطلها كبرياء ونجوى وكتب نجيب محفوظ المختفية، ونجد أن تشابها ما بين حياة كبرياء الشخصية المؤلفة وما بين كاتب الكاشف مؤلفها فكل منهما لقيط بطريقة ما، وكل منهما يحب نجوى التي يصبح لها وجود حقيقي خارج عن السرد، فحياتها المؤلفة مع كبرياء تنتهي بالموت حيث يقتلها المؤلف الذي سيحبها فيما بعد حينما تتجسد له كحقيقة.

ثم ينتقل السرد إلى قرين الكاشف ليكشف لنا ما لا نعرفه عن الكاشف، ثم تشتبك الرواية ما بين جميع الساردين ويختلط سردهم وتفاصيل حكاياتهم ليموت الحي ويحيا الميت وتتبادل أدوارهم في سرد غرائبي عجيب تداخلت فيه الحيوات والحكايات وتبادلت الأدوار والأمكنة والأزمنة التي تنقلت ما بين العصر الحالي وأزمنة روايات نجيب محفوظ من رادوبيس إلى الحرافيش والثلاثية وميرامار وبداية ونهاية وثرثرة فوق النيل، بجميع شخصيات هذه الروايات العظيمة بحيث تشابكت شخصيات نجيب محفوظ مع الشخصيات التي كتبها إبراهيم فرغلي بشكل درامي عجيب، خاصة في المشهد الذي يسحبون فيه كبرياء إلى القبو حيث تعيش شخصيات نجيب محفوظ فيه، فهذا المشهد السريالي من أقوى مشاهد الرواية والذي سلط ضوء حادا على مقتطفات من حياة هذه الشخصيات المنحوتة بعبقرية نجيب محفوظ.

الرواية تعتمد الخط الفلسفي فيها، فهي تقدم البراهين ثم تنسفها بالشكوك، والشخصيات تتبادل أدوارها، وتتشابه فيما بينها، فشخصية الكاشف تشبه شخصية رفيق فهمي، وهما يشبهان كبرياء، ويبقى المؤلف هو قرين كل الشخصيات.

هذه الرواية من روايات الفنتازيا الخيالية ولم تبن على الواقعية السحرية التي تقدم الواقع الحقيقي الذي يبدو كالسحر برغم من واقعيته، وهو ما تمكن منه نجيب محفوظ وأيضا خيري شلبي، ومع تأثرها بعوالم نجيب محفوظ إلا أن إبراهيم فرغلي كان تأثره الأكبر بعوالم الكاتب الياباني هاروكي موراكامي الغامضة والتي تبني حكاياتها على فرضيات لا تجد لها حلا في نهايتها لعدم قابليتها للتحقق، لذا تنتهي رواية أبناء الجبلاوي بلا أي حل لاختفاء كتب نجيب محفوظ وظهور شخصياته وإرسال كبرياء لاسترجاع كتبه المفقودة مع رادوبيس التي تختفي هي أيضا بدون تبرير.

رواية أبناء الجبلاوي هي بلا شك خط جديد في الرواية العربية المبنية على الخيال الفنتازي المستمد من تقنيات حكايات ألف ليلة وليلة بأسلوب فني حديث وفيها تقنيات وتلاعب فني جميل وكم هائل من المعلومات الفنية مثل الخط والرسم والموسيقى والنجارة والجنس والطاقة وفلسفة أحوال الدنيا.

رواية جميلة أثقلها التطويل في بعض المشاهد حتى باتت كفيلم هندي يلزمه ضبط موازيين معاييره الفنية.