من حق "الإخوان" السوريين، وهم يستحقون هذا، أنْ يكونوا جزءاً من حاضر سورية، أي مرحلة الكفاح والنضال والثورة، وأن يكونوا أيضاً جزءاً من مستقبلها الواعد بإذن الله وإرادة الشعب السوري الذي قدم تضحيات لم يقدمها أي شعب من شعوب المنطقة باستثناء الشعب الفلسطيني، ولم يقدمها أي من ثورات الربيع العربي. فهم، أي "الإخوان"، أصحاب مسيرة عطاءات وشهداء لا يستطيع أي كان إنكارها، وقد واجهوا الكثير من "عقوق" إخوانهم في "الجماعة" الإسلامية، وبخاصة "إخوان" الأردن على وجه التحديد.

Ad

لا يحق لأي كان أن يعترض على أي دور لهؤلاء "الإخوان" الأعزاء في حاضر ومستقبل بلدهم، لكن من الواجب على كل المساندين للثورة السورية الباسلة والعظيمة، وكل الذين يعتبرون أنَّ أقل ما يمكن أن يقدموه لهذه الثورة وكل قواها، الإسلامية والقومية واليسارية والعلمانية والليبرالية، هو الكلمة الصادقة والنصيحة الخالصة لوجه الله، أن يعترضوا على مسرحية اختيار غسان هيتو، لا بالنسبة إلى شخصه الذي له كل التقدير والاحترام ولا بالنسبة إلى القومية الكردية التي ينتمي إليها، لكن لطريقة الاختيار والأسلوب الذي اتبع في هذا الاختيار، والمناورات التنظيمية الضيقة الأفق التي رافقته.

هناك قوى وتنظيمات وجماعات ومجموعات بعدد شعر رأس إنسان غير مصاب بالصلع قد نبتت مع أول فرصة لاحت بعد انبثاق هذه الثورة العظيمة، بعد انطلاق تلك الشرارة الحورانية المباركة في مارس عام 2011، وهذا شيء طبيعي بل وإيجابيّ، بعد نحو ستين عاماً من القهر وتكميم الأفواه وفرض صيغة الحزب الواحد الأوحد على الشعب السوري الذي هو صاحب تجربة تعددية جرى اغتيالها بالانقلابات العسكرية، والذي قدم كل هذه التضحيات والدماء والعذابات من أجل الارتقاء ببلده من مستنقع الفردية والدكتاتورية البغيضة إلى مستوى الدول الديمقراطية والحريات العامة والمساواة.

وهذا يعني أن على "الإخوان المسلمين" السوريين، الذين لا يستطيع أي كان أن ينكر ما قدموه لبلدهم وشعبهم من دماء غالية، ألا يكرروا هذا الخطأ الجسيم الذي ارتكبوه ويرتكبونه منذ البدايات ومنذ انطلاقة هذه الثورة وهو فرض "أجنداتهم" على شركائهم في هذه المسيرة مُستعينين بتحالفاتهم العربية وببعض الدول التي مدَّت إليهم يد المساعدة والإسناد، ولها كل التقدير وكل الشكر، رغم أنها اتبعت أسلوب الاستقطاب وتغليب جهة معينة على كل قوى وتنظيمات المعارضة السورية، مما زرع بذور الخلاف في المستقبل السوري الواعد منذ الآن.

لقد كان على "الإخوان المسلمين" السوريين ألا يفعلوا ما فعلوه، وقد كان عليهم أنْ يكونوا الأكثر حرصاً على إرساء علاقات الثقة والمحبة والتكامل والاحترام بين كل المشاركين في هذه المسيرة، الصغار والكبار. وقد كان عليهم أيضاً أنْ يتحاشوا أي محاولة لإقصاء غيرهم وأن يضعوا أنفسهم في الواجهة منذ الآن، ومن خلال المناورات والألاعيب السياسية التي اتبعتها كل أحزاب الانقلابات العسكرية التي استفردت بالحكم وأوصلت سورية وغيرها إلى ما وصلت إليه من أوضاع مأساوية، والتي أدت إلى هذه الانتفاضة التي يجب الابتعاد بها عن أنْ تتخلص من نظام استبدادي لتحل محله نظاماً أكثر استبدادية منه، ووفقاً لصيغة الحزب القائد في المجتمع وفي الدولة.

لقد كانت مسرحية اختيار رئيس الحكومة المؤقتة مثالاً سيئاً للشعب السوري ولكل قوى وتنظيمات المعارضة السورية الفعلية والشكلية، ولعل ما يجب أن يسترعي انتباه الإخوان المسلمين، الذين ما كان عليهم أن يرتكبوا هذه الخطيئة حتى وإنْ كانت بعض مصادر الدعم العربي قد ضغطت عليهم في هذا الاتجاه، هو أن الموقف الرافض لهذه المسرحية الذي اتخذه الجيش الحر هو بمثابة جرس إنذار مبكر، وعلى أساس أن القرار بالنسبة إلى الثورات المسلحة هو للذين في الميدان ويقاتلون على الأرض، وأكبر شاهد على هذا هو الثورة الجزائرية العظيمة التي كانت إحدى منارات القرن العشرين. وهذه نصيحة من داعم ومساند ومحب، ومن موقع الثقة والتقدير، وبلا جمل ولا ناقة.