يقظة الفن في العصر الجليدي
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
أمر مُدهش حين تجد نفسك تحدق في وجه امرأة، ليس بعيداً في استطالته عن وجوه نساء الانطباعي الإيطالي "مودلياني"، أو في منحوتة قوام امرأة ليس ببعيد عن تكعيبية بيكاسو. ولقد حدث أن اطلع "بيكاسو" على منحوتة هذه المرأة فأسرته، حتى أنه احتفظ بنسختين لمحاكاتها نحتاً ورسماً. الرشاقة والإيجاز في التفاصيل أسرا "ماتيس" أيضاً فتابعهما بحرص في تخطيطه ولوحته. ولكن علينا ألا ننسى أن فنان هذا العصر الجليدي لا يملك موروثاً فنياً ليحاكيه، بالطريقة التي نتخيل محاكاة فنان عصر النهضة، أو فنان المرحلة الرومانتيكية لمن سبقوه. إن فنان العصر الجليدي يحاكي الطبيعة بالتأكيد كما يحاكيها الفنان في كل زمان، ولكنه يستلهم مخيلته استلهاماً محضاً أيضاً، حين نراه يضع منحوتة لقوام رجل، ولكن برأس أسد. أو حين نراه يحاول أن يجسد الحركة "الزمنية" الطابع لنمر يعدو، أو طائر يحلق في الهواء، في قطعة العاج "المكانية" الطابع. إنه بكوري حقاً، ومصادر مخيلته التي بهذا المستوى تظل غامضة لدينا. الأعمال الفنية في هذا المعرض تؤكد القناعة النقدية التي تقول بأن الفن لا يتطور عبر السنين كما يعتقد كثيرون، بل يتغير فقط. فجسد الأنثى العاري في النحت لم يتطور من مرحلة فنان العصر الجليدي هذه إلى مرحلة حداثة بيكاسو. لأنه، وهو أمامنا الآن بعد عشرات الآلاف من السنين، يبدو تماماً كمنحوتة بيكاسو التي وضعها قبل نصف قرن، حتى ليصعب عليك، لو أنك اطلعت عليه في أي مكان عارياً عن هامشه، أن تنسبه إلى عصر سحيق. فن النحت هذا إنما تعرض للتغير ولابتكار شكل مختلف فقط.المنحوتات في معظمها معمولة من عاج الفيلة الضخمة المنقرضة (الماموث). وأحياناً من الحجر، أو من الطين المفخور. وهذه الوسائل وتقنيات العمل اللتان تنتجان عملاً فنياً غايته المتعة والجمال، لا الاستخدام النفعي، هو الذي يؤشر إلى أن تلك المراحل السحيقة التي تمتد من أربعمئة إلى مئة قرن من الزمان إنما تنتسب إلى مرحلة كان الإنسان فيها يدخل مرحلة يقظة الوعي والعقل الانسانيين. حين اكتشف الانسان الآلة أو النار إنما كان مدفوعاً بالحاجة إلى أداة غذاء وحماية ماديتين. ولكن أن يكون مدفوعاً بالحاجة الروحية والعقلية للجمال في هذه المرحلة المبكرة فأمر يثير الاعتزاز حقاً.الثور الوحشي الذي يقبل عليك عدواً، وتموج شعره الذي يوحي بالحركة. قفزة الأسد باتجاه مؤخرة ضحيته. الأوزّ العاجي المحلق في الهواء مستدقاً مثل السهام. تعبير مدهش عن الحركة في العمل الفني. وإذا أردت موسيقى فهذا ناي بالغ الصغر من عظام النسر الرقيقة، إلى جانب الهيئات الصغيرة لحيوان الجاموس والثور الوحشي، لعلها دُمى للعب الأطفال.