ضم معرض «فريسك» مجموعة منتخبة من أعمال الفنان عمرو فهمي، بين البورتريه والكاريكاتور والإسكتش، تناول خلالها عدداً من رموز المجتمع المصري في الفكر والثقافة والآداب والعلوم، أمثال الدكتور أحمد زويل والشيخ محمد متولي الشعراوي، إلى جانب عدد من المناظر الطبيعية والساحلية.

Ad

 تجلت موهبة فهمي في خطوطه المتفردة وانكسارات الضوء والظلال ومسارات الألوان في فضاء اللوحات بتعابيرها، ومضمونها الفكري وجماليات تحتفي بالبيئة الساحلية، وتأثيرها الوجداني في الملتقي.   

اختار فهمي لمعرضه عنوان «فريسكا»، بما يحمله من دلالات فولكلورية ومخزون من ذكريات الفنان في طفولته وشبابه في الإسكندرية، وخصوصية البيئة والملامح ورمزية الألوان في زرقة البحر ولون الرمال والنوارس البيضاء.

وجسد فهمي رؤيته الفنية وتفاعله المتفرد مع المستجدات على الساحة العربية عموماً والمصرية خصوصاً، واستشرافه لملامح  المستقبل من خلال لوحات تعبر عن قناعات الفنان  الفكرية، وامتلاكه مفردات وأدوات فنية طامحة إلى التألق الإبداعي الحر، وإحداث الصدمة والسخرية من السلبيات السياسية والاجتماعية.

منح المعرض مساحات أوفر للتعبير عن رؤى الفنان وقدراته الإبداعية في رسم البورتريه والإسكتش، وتعد فعالياته فضاء رحباً لتلاقي جمهور الفن التشكيلي مع فنان متميز، وطرح التساؤلات عن ماهية فن الكاريكاتور ودوره في خضم أحداث متلاحقة بعد ثورة 25 يناير وربيع الثورات العربية.  

وقدم فهمي رسومات «الإسكتش» الأقرب إلى عالمه الكاريكاتوري، فبدت كمخطوطات أولية للوحات ملونة بالفحم والقلم الرصاص وسط كثافة الدلالة الرمزية، لتصبح أكثر قدرة على ملء الفراغ بتكوينات الملامح، ورؤية الفنان الساخرة لسلبيات الواقع المعاش.

استطاع فهمي من خلال الكاريكاتور تجسيد مفهومه لهذا المجال كأحد الفنون التشكيلية التي تعتمد المبالغة والسخرية من سلبيات الواقع، وكشف الأقنعة عن مثالب اجتماعية وسياسية. فضلاً عن أن الأعمال تحمل بهجة الروح حين تقاوم التخلف ومواطن الخلل في حياتنا الخاصة والعامة.   

فهم عميق

أشاد د. صلاح المليجي بمستوى المعرض وقدرة الفنان عمرو فهمي على النفاذ بإحساس عال وفهم عميق وصولاً إلى هدفه ورؤيته، موضحاً أن المشاهد يستطيع أن يتلمس من خلال الأعمال المعروضة تأثر الفنان بالشخصية السكندرية وهو أحد أبنائها، والتي انعكست بروحها المرحة ورؤيتها الناقدة والساخرة على أعماله.

وقد أبدع عمرو فهمي من خلال معرضه لوناً وتعبيراً بحس الفنان التشكيلي وجرأة رسام الكاريكاتور المشاغب، فبدت أعماله ذات رؤية مغايرة وأداء رائع.

وما يؤكد تجاوب الجمهور مع لوحات فهمي، أن فن الكاريكاتور أحد أقرب الفنون التشكيلية إلى المزاج العربي عموماً، ووسيلة تعبير تنطوي على قدر كبير من السخرية والمبالغة وكشف سلبيات الواقع، إلى جانب تلبية المعطيات المتجددة في كل جوانب الحياة، لا سيما الأحداث الراهنة في منطقتنا العربية.   

رأى النقاد بدورهم أن أعمال فهمي حققت تواصلاً كبيراً مع الجمهور من كل الأعمار، وهو ما يتضح من خلال معارضه المختلفة ومعرضه الأخير «فريسكا» الذي ضم إبداعه على مدى سنوات متصلة، وأصداء رسوماته التي نشرها في صحف ودوريات متخصصة عدة، فحملت رؤيته الخاصة للواقع العربي.

رسالة تنويرية

تحمل لوحات فهمي رسالة تنويرية تنتصر لرموز ثقافية وسياسية عبر التاريخ، وتستدعي تلك الوجوه بإطلالتها الدالة على أن البورتريه فن لكل العصور، وأحد الأساليب التعبيرية لإنقاذ الأحداث المهمة من الاندثار.

عمرو فهمي فنان موهوب ورسام كاريكاتور محترف، استطاع بحرفيته وأسلوبه المتميز المتجدد دوماً أن يسجل اسمه كأحد أهم رسامي الكاريكاتور على الساحة العربية.

 قال عنه الراحل  د. ثروت عكاشة عندما رسم رموز المجتمع إنه لا يحاكي البدن بل يصور الحالة النفسية الكامنة وراء الشكل ويبرز الشخصيات الوجدانية الموحية، فيغوص في أعماقها لتسجيل نبضة انفعالية حية لكل شخصية.

أما الكاتب الساخر محمود السعدني فرأى أن رسومات فهمي تثبت أن دولة الكاريكاتور في خير وأنها تتقدم في السن ولا تشيخ، لكنها تحتفظ بشبابها وبصفاء ذهنها وثباتها وبقدرتها على المنافسة وإحراز النصر.

كذلك جسدت أعمال فهمي ملامح تجربة متفردة، وقدرة على التقاط التفاصيل، والسخرية من الظواهر السلبية في مجتمعاتنا العربية، لا سيما التطرف الديني، لذلك انضم إلى قافلة كبار فناني الكاريكاتور في العالم العربي أمثال الفلسطيني ناجي العلي، والكويتي حمد مطر العجيل، والمصري مصطفى حسين، والسوري علي فرزات وغيرهم.  

وتعد السخرية والمبالغة أحد السمات الأصيلة لفن الكاريكاتور، ولا تعني الزيف أو الخروج عن النقد الموضوعي، وقد تختلف الرؤية من فنان إلى آخر. فقد بدأت لغة تشكيلية لمقاربة الواقع منذ آلاف السنين، وما زالت آثارها حاضرة على جدران المعابد عبر رسومات ساخرة أبدعها الفنانون الأسلاف.

ويؤكد فهمي أن الكاريكاتور فن موغل في القدم، وما زال يحمل شروط  تواصله مع مختلف الأعمار، ويمكن من خلاله التعرف إلى ملامح حياة الشعوب الاجتماعية وخصوصيتها.