أدباء مصريون: المجلات الثقافية تتعثر بعد ثورة يناير
حذر أدباء مصريون من تعثر المجلات الثقافية، وتراجع الدعم عن كثير من المطبوعات والسلاسل الصادرة عن هيئات وزارة الثقافة، في حين تبرز أسباب أخرى لانخفاض معدلات الإقبال على الكتاب المطبوع، وارتفاع مؤشرات النشر الإلكتروني، لا سيما بعد ثورة يناير.
تبدو المسافة شاسعة بين دوران آلات الطباعة وتراجع الإقبال على المجلات الثقافية في مصر، وتداخل المعوقات لتسيير الحركة الثقافية بعد ثورة يناير وعزوف عدد كبير من المبدعين عن النشر الورقي واللجوء إلى نظيره الإلكتروني، وباتت حفلات التوقيع لا تعرف طريقها إلا في دور «النشر» الخاص. تشير الأرقام إلى تراجع عدد القراء المتابعين لتلك الإصدارات، ولم يبق سوى جريدتين ثقافيتين تتنافسان في ساحة خالية من الحراك والمعارك الفكرية والمواكبة النقدية لإبداعات الأجيال الشابة من الأدباء، وهما جريدة «أخبار الأدب» التي ترأسها لسنوات طويلة الكاتب الروائي جمال الغيطاني وجريدة «القاهرة» التي ما زال يترأسها الكاتب صلاح عيسى.
حظيت « القاهرة» بدعم مالي كبير في عهد الوزير الأسبق فاروق حسني، فيما ظلت «أخبار الأدب» محرومة من هذا الدعم لانتقادها وكشفها السلبيات التي تدور في كواليس الوزارة. جريدة ثقافية أخرى تحلق خارج السرب، وهي «مسرحنا» التي يترأسها الشاعر يسري حسان، إذ يطاردها التعثر في العامين الأخيرين بعدما كفت وزارة الثقافة عن دعمها، لكنها منتظمة في الصدور للإقبال عليها من كتاب ونقاد المسرح والمهتمين بالدراما، لا سيما طلاب معهد الفنون المسرحية. صفوة وحرافيشأما مجلة «إبداع» فقد تحولت من مجلة شهرية منتظمة الصدور إلى شبه فصلية، وأزمتها تعود إلى حقبة الثمانينيات، وتولى رئاسة تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، مطلقاً صيحته الشهيرة أن المجلة للصفوة وليست للحرافيش، فضلاً عن إغلاقه صفحاتها على أسماء بعينها متعللا بأن الساحة الثقافية امتلأت بالأدعياء وأنصاف الموهوبين.وقد ساهمت تلك الأزمة في استنفار المثقفين من تصريحات الشاعر الكبير، وتراجع أرقام التوزيع، وباتت «إبداع» في مهب الريح، ليلوح حجازي باستقالته بين حين وآخر، وينتهي الأمر بصدورها شبه فصلية، وينخفض عدد قرائها، ويلجأ الكثير من الأدباء الشباب إلى إصدار مجلاتهم الخاصة مثل «الكتابة الأخرى» و«بشاير» و«الفجر» و«الرافعي»، والتي تعاني أيضاً غياب الدعم المالي وعدم الانتظام في الصدور. يقول الشاعر عبده الزراع: المجلات الثقافية في مصر متنوعة، لكنها قليلة، قياساً لكثرة أعداد الأدباء وثمة مجلات تدعمها وزارة الثقافة مثل «الثقافة الجديدة» و«مجلتي» و«إبداع»، والأخيرة تعاني الاختفاء وعدم الانتظام في الصدور. ويرى الزراع أن الحياة الثقافية في مصر بحاجة إلى مجلات أكثر، لا سيما المعنية بالاتجاهات الأدبية الحديثة، مثل مجلة «الشعر» التي تهتم بالتيارات الجديدة وقضايا الشعر المختلفة، وتفرد مساحة كبيرة لشعراء قصيدة النثر.ويعزو حالة تعثر الإصدارات الثقافية إلى ارتباك دعم الوزارة لمطبوعاتها ومجلاتها، والأزمة الاقتصادية التي تفاقمت بعد ثورة يناير، والتغيير المتلاحق والسريع لوزراء الثقافة. ويؤكد الشاعر عيد عبد الحليم رئيس تحرير مجلة «أدب ونقد»، أن ثمة أسباباً عدة لتعثر المجلات الثقافية، خصوصاً بعد ثورة يناير وصعود التيار الديني، وتقلص فكرة الحريات، وارتباك سياسة الوزارة في تفعيل المشهد الثقافي، ما دفع كثير من المبدعين إلى التواصل مع المتلقي بعيداً عن المؤسسة، وعبر النشر الخاص والإلكتروني ومواقع ومدونات شبكة الإنترنت. ويوضح عبد الحليم أن «أدب ونقد» إحدى أكثر المجلات الثقافية استمراراً على الساحة (29 عاما)، وهي المجلة الوحيدة التي يصدرها حزب سياسي (التجمع)، وتفتح صفحاتها لأدباء ومبدعين العالم العربي كلهم.يُذكر أن «أدب ونقد» تعرضت في العام الماضي لأزمة مالية تهددها بالتوقف بعد إلغاء الدعم على الأحزاب لتزايد أعدادها بعد ثورة يناير، وتلقت دعماً استثنائياً من وزارة الثقافة في عهد الوزير شاكر عبد الحميد، وأثناء تولي الشاعر الراحل حلمي سالم لرئاسة المجلة.يضيف عبد الحليم أنه وجه رسالة إلى المثقفين العرب على الإنترنت لدعم «أدب ونقد» بالدراسات النقدية والملفات والنصوص الإبداعية، فتجاوب كثر مع الرسالة، لا سيما أن المجلة تأسست منذ تولت رئاستها الكاتبة فريدة النقاش على فكرة الخروج من النطاق الإقليمي إلى فتح نافذة للمبدع العربي في كل مكان.كذلك يطالب عبد الحليم المثقفين العرب عموماً والمصريين خصوصاً بدعم المطبوعات الثقافية، وتفعيل دور المؤسسات في المشهد الثقافي، واستعادة الدور الغائب للنقد الأدبي، فضلاً عن إلقاء الضوء على المواهب الشابة وإطلاق حرية إصدار المجلات الثقافية المتخصصة والمتنوعة على غرار المجلة العريقة «العربي» الكويتية، مشيراً إلى الازدهار الثقافي الذي شهدته ستينيات القرن الماضي، والدور المؤثر لمجلات مثل «جاليري 68» و«الكاتب» و«الطليعة» وغيرها. يلفت الشاعر ناصر دويدار بدوره إلى بيروقراطية التعامل مع المبدعين، ما دفعه إلى نشر قصائده ودواوينه على نفقته الشخصية والتواصل مع القراء عبر شبكة الإنترنت.ويشير إلى تجربته مع النشر من خلال «هيئة الكتاب»، وطباعة ديوانه منذ عامين مليئا بالأخطاء المطبعية، ما يدل على عدم اكتراث المشرفين على الطباعة بقيمة الإبداع، ورغم الوعد بتدارك الخطأ إلا أن الديوان بعد تصحيحه ما زال حبيساً أدراج الهيئة.ويرى دويدار أن «اتحاد الكتاب المصريين» لم يحول «نشرته الشهرية» حتى الآن إلى مجلة ثقافية تليق بعراقته، وحجم عضويته المتزايدة، ودائما ما يقول المسؤولون إن الأمر ليس بعيد المنال وقيد التنفيذ، ومجلس الإدارة يضع الترتيبات النهائية لهذه المجلة، فضلا عن غياب دور الاتحاد في حركة النشر المنتظمة للكتب الثقافية.