يوم واحد فقط فَصَل، زمانياً، بين الانتخابات البرلمانية الأردنية  التي ستجرى اليوم، وانتخابات الكنيست الإسرائيلي التي جرت أمس، وكاد عرب الـ48 أن يقاطعوها بنسبة كبيرة لولا بيان القمة العربية التي عُقدت في المملكة المغربية والذي دعاهم إلى المشاركة.

Ad

والمؤكد أنَّ معركة صناديق الاقتراع التي ستحتدم في الأردن مع بدايات هذا الصباح لن تقلَّ نزاهة عن الانتخابات الإسرائيلية التي كان متوقعاً سلفاً أن نتائجها ستعزز مواقع اليمين المتطرف، وبالتالي فإن الحكومة القادمة إن لم تكن هي حكومة بنيامين نتنياهو السابقة فإنها ستكون أسوأ منها.

لسنوات طويلة بقي "العقلاء" العرب "يدبون الصوت" ويقولون إنَّ الديمقراطية الإسرائيلية هي التي بقيت تلحق بنا الهزيمة تلو الهزيمة وليس الأسلحة ولا الطيران المتفوق ولا الجيوش الجرارة، وهذا كان الإسرائيليون يعرفونه معرفة أكيدة؛ ولذلك فإن خوفهم من ظاهرة الربيع العربي قد تجاوز بألف مرة خوفهم من الصواريخ العربية الفعلية والوهمية، وخوفهم من حرب التحرير الشعبية الطويلة الأمد التي بقيت شعاراً وذبحت أنظمة الانقلابات العسكرية بحد سيف شعوبها وذبحت أيضاً المقاومة الفلسطينية.

ولذلك فإن علينا ألا نستعجل الأمور ونحكم على ثورات الربيع العربي من خلال التشوهات التي قفزت إلى واجهة الأحداث سواء في مصر أو في تونس، وسواء أيضاً في ليبيا واليمن، فكل التحولات الجذرية التي عرفها التاريخ قد مرَّت بتجارب أوجاع الولادات السياسية والاجتماعية الجديدة وآلامها، وفي مقدمتها الثورة الفرنسية العظيمة.

 ولهذا فإن المؤكد أن كل ثورات الربيع العربي وعلى رأسها الثورة السورية الباسلة التي هي أمُّ هذه الثورات كلها سوف تفرز وتعطي ديمقراطيات حقيقية، إنْ لم تكن أفضل من الديمقراطية التي بقي الإسرائيليون يهزموننا بسلاحها فمثلها على الأقل.

وهنا فإن ما لم يلاحظه البعض هو أنَّ هذا الربيع العربي قد استُقبل في الأنظمة الملكية التي حلَّ فيها، والمقصود هنا هو المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المغربية، بالاحتضان والاستيعاب؛ ولذلك فإنه أعطى كل هذه الورود التي تفتحت عندنا وعند أشقائنا في المغرب، والدليل على هذا هو هذه الانتخابات التي ستجرى اليوم، والتي سيترتب عليها حتماً تحولات حقيقية في اتجاه المزيد من الديمقراطية، والمزيد من تعزيز دولة المواطنة وحقوق الإنسان والدولة المدنية التي شعارها: "الدين لله والوطن لكل الأردنيين".

أمَّا بالنسبة إلى أنظمة القمع والاستبداد الآسيوي البائس فإن هذا الربيع قد استُقبل فيها بكل هذا الدَّمار والخراب الذي حلَّ بسورية العزيزة، وبكل الدماء التي سالت في مصر أرض الكنانة، وفي تونس... وأيضاً في اليمن (السعيد)، وفي ليبيا التي جثم على صدرها لأكثر من أربعين عاماً رجل أرعن قد استحق تلك النهاية البائسة التي انتهى إليها فالمثل يقول: "وبشِّر القاتل بالقتل ولو بعد عشرات الأعوام".

اليوم بإمكان كل أردني، غير مصاب بلوثة المزايدات والمناكفات وتصديق كل ما بقي يقوله الذين أداروا ظهورهم لواجب وطني مقدس، أنْ يرفع هامته عالياً ويفتخر ويفاخر بأن "الربيع العربي" قد حلَّ في وطننا بكل هذه السلاسة، وأنه أزهر صناديق الاقتراع الجميلة هذه، وكل الإصلاحات التي أوصلتنا إلى هذا اليوم العظيم بدون إراقة قطرة دمٍ واحدة والحمد لله، والتي ستوصلنا حتماً إلى ما بقينا نحلم به على مدى سنوات طويلة.