الشباب الكويتي ومسؤولية الكتابة
«منْ هم الكتّاب الذين تنصح بقراءتهم؟»يبدو السؤال مشروعاً ومُفرِحاً حين يأتيني من شباب كويتي جاد وفي بداية مسيرته الإبداعية، ففي آخر لقاء جمعني مع مشاري العبيد، وعبدالعزيز مال الله، وعبدالله شعبان، وحمد المطر، وقبل ذلك كان مع حميدي حمود، وبسّام المسلم، وعبدالوهاب سليمان، يأتي السؤال عفوياً ودالاً، يحمل في طياته هماً حقيقياً في قراءة متمعنة تقود صاحبها للوقوف على أصول وإبداع فن القصة القصيرة. وأجيب قائلاً:
«الكتّاب كثر ومن مدارس متنوعة، عالمياً: أنطون تشيخوف، موبسان، آرنست همنغوي، ادجار آلن بو، جابريل ماركيز، وعزيز نيسين وغيرهم. وعربيا: يوسف إدريس، يحيى حقي، زكريا تامر، محمد خضير، أحمد بوزفور، سعيد الكفراوي، وغيرهم كثير. ومحلياً ليس أقل من قراءة المعاصرين: إسماعيل الفهد، وسليمان الشطي، وسليمان الخليفي، وليلى العثمان، ووليد الرجيب، وآخرين.الإجابة لا تقف عند ذكر أسماء بعينها، بل ربما هي تبدأ من الأسماء. فالكاتب الشاب يبدأ خطوته الأولى في مشوار الكتابة من خلال القراءة. وكلما كانت القراءة متأنية ومتباينة في عوالمها ومستمرة ومتصلة، انكشف الكاتب على حقيقة الحياة الإنسانية، وفن الكتابة القصصية، وعلى حقيقة موقفه الشخصي من الكتابة والأدب.يخطئ البعض من الكتّاب المبتدئين وغيرهم، حين يظن أن الكتابة هي تسلية وتمضية للوقت، وسبيل لشهرة سهلة، وربما لجمع بعض المال. الكتابة في الصميم من هدفها هي وسيلة للتأثير في وعي المتلقي، وصرخة حق لبيان البؤر المظلمة واللاعادلة في أي مجتمع من المجتمعات، وهي في الختام وثيقة تاريخية تشهد على أوضاع مجتمع في فترة معينة من عمره. إن وعي الكاتب الشاب بوظيفة الفن الاجتماعية، ومسؤوليته تجاه الصدق الإنساني، وقضايا وطنه، ومسؤوليته في مستوى آخر في إبداع كلمة وجملة وقصة تخصّه وتدلّ عليه، كل هذا مجتمعاً يجعل من الكتابة قضية أعقد وأعمق بكثير مما تبدو عليه في المستوى الظاهر. ويجعل الكاتب الشاب ملزماً بأن يحتشد للكتابة كما يجب أن يكون.إن المتأمل في المشهد القصصي الكويتي، خلال السنوات الخمس الماضية، يرى بوضوح نشاطاً كتابياً لافتاً، ليس فقط من الأسماء التي جاء ذكرها في بداية المقال، بل ومن أسماء أخرى كثيرة لفتيات وشباب، وهي في مجملها تدلل على انحياز للكتابة، وعلى رغبة أكيدة لدى الشباب في نقش أسمائهم على خارطة الكتابة ليس الكويتية بل والعربية.ليس أهم للكاتب الشاب من القراءة المنتظمة المدروسة الفاحصة، وتحديداً في الجنس الأدبي الذي يعشق. لكن هذا لابدَّ أن يأتي متزامناً مع قراءات أدبية ضرورية أخرى. فلا يمكن لكاتب قصة أن يبتعد عن قراءة الرواية، ولا يمكنه تجاهل الشعر، ومؤكد أنه بحاجة لقراءة شيء من المسرح والفلسفة والاطلاع على أصول اللغة وعموم الفنون. وأخيراً أهمية تواصل الكاتب الشاب مع تجمعات ثقافية ترفد تجربته، وتشكل سماءً ملونة ينتمي لها ويحلق في فضائها.ولادة كاتب في أي مجتمع ليست بالأمر الهيّن، هي تعادل ولادة صوت عالٍ لهذا المجتمع، والتاريخ البشري يشير إلى أن تلك الولادات نادرة ودائماً تأتي متعسرة، لذا فإنني أرى أن من واجب المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية، وكذلك الملتقيات الثقافية الخاصة رعاية والاهتمام بالمواهب الشابة، والأخذ بيدها، وهذا أيضاً ينطبق على الكتّاب الذين قطعوا شوطاً مشهوداً له في الكتابة، فليس أجمل من صداقة بين كاتب وكاتب، وليس أجمل من النصيحة لكاتب يقدرها ويقبض عليها بمحبة وتقدير.الكتابة طريق، وكل من يسير على طريق يقصد هدفاً، وكم يبدو الهدف إنسانيا ونبيلا في قول كلمة حق تكون شاهداً على مجتمع بأسره!