رئيس أخلف وعوده... ففقد شرعيته
يوم واحد يفصلنا عن انطلاق ما يسمى بالثورة الثانية في مصر... ملايين المصريين وقّعوا على استمارات حملة تمرد التي بدأت في أبريل الفائت داعية إلى سحب الثقة عن الرئيس محمد مرسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والنزول للتظاهر في 30 يونيو... انتشرت الحملة كما الهشيم، وأصبح السؤال اليومي الذي يدور بين المصريين، هل تمردت؟ يوم عصيب ينتظر المصريين الذين سينزلون للتظاهر حاملين أرواحهم على أكفهم. ولا يمكن التنبؤ بالنتائج أو استقراء أحداث القادم من الأيام. مصر الحبيبة المثخنة بجراحها تجلس "على كف عفريت"، وفي مفترق طرق بين أمل الوصول إلى بر الأمان والحرية أو الانزلاق إلى نفق مظلم واقتتال وحرب أهلية، والأيام حبلى بالمجهول. هناك مسؤوليات كبيرة تقع على عاتق كل الأطراف، فالمتظاهرون عليهم أن يتمسكوا بسلميتهم مهما حدث، وعلى الدولة والشرطة والجيش حماية المتظاهرين كي لا تسفك الدماء.يتساءل البعض لماذا يتمرد الكثير من المصريين على رئيس منتخب؟ يعبر الكثير من المصريين عن غضبهم لنقض الرئيس العهود والوعود، فبدلاً من أن يرسي دولة القانون، أول ما فعله بعد تنصيبه رئيساً أصدر مرسوم الإعلان الدستوري لينصب نفسه فوق القانون ويغل رقابة القضاء على قراراته، لتتوالى قراراته الاستبدادية، ويأتي لاحقاً بدستور يرسِّخ الحكم الاستبدادي، تم فرضه قسراً دون مشاركة أو توافق من جميع القوى السياسية، ليُدق المسمار الأخير في نعش مطالب الديمقراطية والحرية التي قامت من أجلها الثورة، ويحل الاستبداد الإخواني محل استبداد النظام القديم، وتذهب دماء شهداء الثورة هباءً منثوراً. بل يسقط في عهده شهداء آخرون، ويطلق سراح القتلة المسجونين في قضايا الإرهاب، وينحاز إلى جماعته التي تكفر وترهب المعارضين.
هنا قال المتمردون: لقد نقضت عهودك وأخلفت وعودك ففقدت شرعيتك، نحن من عصرنا الليمون فوق رؤوسنا وصوتنا لك كرهاً في النظام القديم لنرجِّح كفتك بنسبة ضئيلة، نسحب منك الثقة وأنت المدين لنا، ومن حقنا أن نحاسبك على نقض العقد الذي أُبرِم بيننا، ونطالب بإجراء انتخابات مبكرة. وسنقف مرة أخرى في نفس المكان حاملين نفس الشعارات ومنادين بنفس المطالب المشروعة احتجاجاً على التفرد بالقرار والاستبداد والفساد وانتهاك الحريات وانهيار الاقتصاد وانعدام الاستقرار.وبدلاً من أن يدرك الرئيس حجم الغضب الشعبي المتصاعد ضد انحراف مسار التحول إلى الديمقراطية، ويعمل على تصويب الأخطاء الكارثية، صمّ آذانه عن احتجاجات الشارع واستمر استحواذ جماعته على السلطة بتعيينه لمحافظين موالين، وسكت عن خطاب الكراهية المحرِّض ضد الشيعة الذي أُلقي أمامه في اعتصام الاستاد دون وخزة ضمير، فهو الخطاب المسؤول عن قتل أربعة من الشيعة بشكل وحشي لاإنساني في الأيام الماضية، وسكت قبل ذلك عن فتاوى تكفر من يخرج على الرئيس، وأخرى تجيز قتل المتظاهرين، كل ذلك يتم باسم الدين. يتحمّل الرئيس وجماعته مسؤولية إدخال البلاد في حالة الانهيار والاقتتال، فبدلاً من حل الأزمة سياسياً حقناً للدماء يلجأون للتعبئة والحشد والتصعيد والتكفير والتخوين واستعراض أنصار ومريدي الرئيس للقوة في الميادين متوعدين ومحرضين على العنف خلال جمعة "لا للعنف" المؤيدة له، ليهدد قياديون بسحق المتظاهرين المعارضين للرئيس، باسم الإسلام ضد "العلمانية والكفر" مستخدمين خطاباً عنيفاً مثل "إني أرى رؤوسا قد أينعت وحان وقت قطافها" و"اللي يرش مرسي بالميه نرشه بالدم".كنا نتمنى أن ينزع الرئيس فتيل الأزمة خلال خطابه يوم الأربعاء الفائت بتنازلات سياسية وقرارات إصلاحية ديمقراطية، لكنه استمر في تجاهل المطالب المشروعة بل صور أنها معركة مع الفلول الذين يريدون أن تنقضوا على الثورة. اليوم يتهم الشباب الذين سُرِقت ثورتهم بتحالفهم مع الفلول، متناسياً عقد جماعته الصفقات مع النظام القديم، ومتناسياً ما قاله يوماً أيام الانتخابات البرلمانية، إنه "ينسق مع الحزب الوطني" وإنه "يقدر ويحترم رموزه".سيخرج المصريون المتمردون سلمياً يوم الأحد، ولا نعرف كيف ستنتهي الأمور، ستكون أياماً صعبة بلاشك، لكن سلامة المتظاهرين في كلا الطرفين في رقبة الرئيس ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي الذي أكد بكل وضوح مسؤولية القوات المسلحة في التدخل لمنع انزلاق مصر إلى الاقتتال الداخلي.مصر المحروسة... كوني بسلام.