عودة الثعلب!

نشر في 20-05-2013
آخر تحديث 20-05-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري إيران من أجمل بلاد الله تعالى بطبيعتها الخلابة وشعبها الحيوي ذي الحضارة العريقة والآثار التاريخية المجيدة، حباها الله تعالى بثروات هائلة، واحتياطي ضخم من البترول والغاز يكفيها لمئات السنين والثروات المعدنية والحيوانية والسمكية، والموقع الاستراتيجي المطل على الخليج والمحيط، وبحر قزوين الذي يستخرج منه الكافيار، هذا غير صناعة السجاد التي تدر ثروة ضخمة.

 أما الثروة الزراعية فقلما تجد محصولاً لا تنتجه إيران بسبب تنوع مناخها وخصوبة تربتها ووفرة مياهها، وإذا كانت مصر هبة النهر الواحد والعراق هبة النهرين فإن أنهار إيران لا تحصى، إلا أن أعظم ثروات إيران شعبها المتعلم والطموح.

 إن مقسم الأرزاق اختص إيران بخيرات مجتمعة لم يعطها لدولة أخرى، ولكن هل ضمنت هذه النعم والخيرات لشعب إيران الحياة الكريمة؟ وهل استطاعت حكومتها توظيف هذه الموارد لمصلحة شعب إيران وتقدمه؟ الجواب بالنفي.

 فالشعب الإيراني البالغ 76 مليوناً، السواد الأعظم يعاني معاناة هائلة من أوضاع اقتصادية خانقة، انهار سعر الريال ووصل إلى الحضيض، ومعدلات البطالات في تزايد، والغلاء يلتهم موارد الفقراء ومحدودية الدخل، والمواطن الإيراني يجهد نفسه في أكثر من عمل من الصباح إلى المساء كي يعول أسرته، والفجوة بين الأغنياء والفقراء تزداد.

 يتساءل المواطن الإيراني: لماذا لا أعيش متنعماً بخيرات بلادي الهائلة كما يتنعم جاري الخليجي؟! قبل سنوات انتقد روحاني الحكومة قائلاً: "لماذا جيوب الناس خاوية وكرامتهم ضائعة؟"، ولكن لماذا جيوب الناس خاوية في أغنى بلد في العالم؟ هل هو عجز من الحكومة أم من الشعب؟ الشعب ليس عاجزاً بل هو شعب عمل وإنتاج وتجارة وزراعة ومهن، والحكومة فيها كفاءات قادرة.

 إذن: ما العلة؟! العلة أن طموحات إيران الخارجية أكبر من طموحاتها الداخلية، وانشغالها بالدور الخارجي جاء على حساب بناء الداخل وتطوير المرافق والخدمات، فإيران تنفق المليارات في الخارج على الحلفاء و"المحاسيب" والوكلاء، وذلك على حساب قوت الشعب وتنمية الداخل، ولو أنفقت إيران هذه المليارات في الداخل لحققت نموذجاً تنموياً ناجحاً مثل ماليزيا التي لا تملك ربع مواردها.

 ولأن لكل شيء نهاية، فقد انقلب الدور الخارجي لإيران عليها، فاليوم حليفها السوري في طريقه للتغير، وحزب الله أصبح مكشوفاً، و"حماس" عادت إلى الجماعة الأم، والعرب ضاقوا بتدخلات إيران، وأهل الخليج فقدوا ثقتهم بها بسبب شبكاتها التجسسية واستفزازاتها، والمجتمع الدولي يزيد خناقه على إيران، وإسرائيل تنذر بضربة عسكرية للمواقع النووية الإيرانية.

 الوضع الإيراني سياسياً واقتصادياً، داخلياً وخارجياً، أصبح مأزوماً، فما العمل؟ وما المخرج؟ القيادة السياسية الإيرانية ممثلة في المرشد العام خامنئي، قيادة براغماتية وذكية وتحسن قراءة الخريطة السياسية الدولية والداخلية، وهي عندما تتصعد الأمور وتصل إلى حافة الهاوية تلجأ إلى المناورة والعقلانية، وحكومة نجاد أدت مهمتها.

واليوم إيران على أبواب انتخابات الرئاسة والقيادة السياسية تجد فيها مخرجاً من الأزمة، وذلك بالاحتكام إلى الشعب للإتيان برئاسة قادرة على مواجهة التحديات الجديدة، تحسن التعامل مع المتغيرات الخارجية بما يحفظ مصالح إيران في الخارج ويفتح المجال للتنفيس الداخلي وتهدئة الأوضاع.

 ولعل هذا ما يفسر موافقة خامنئي على عودة ثعلب السياسة الإيرانية السيد هاشمي رفسنجاني (78 سنة) للمسرح السياسي مرشحاً للرئاسة، بالرغم من أن هواه مع "ولايتي" مستشاره للشؤون الدولية.

 عودة الثعلب أحدثت دوياً هائلاً وأربكت الحسابات الانتخابية وأثارت ردود فعل مذهلة داخلياً وخارجياً! الآن: ما حظوظ نجاح رفسنجاني؟ وما التغيرات المرتقبة في حالة نجاحه ووصوله للرئاسة؟ المحللون يطرحون 3 إجابات:

1- أن رفسنجاني سيعبر عتبة مجلس صيانة الدستور لكنه لن يفوز في النهاية لأن المحافظين وقادة الحرس الثوري ورجال الدين والأجهزة الأمنية سيتحدون جميعاً ضده، ولن يسمحوا بنجاحه وسيختارون من يريده الولي الفقيه، وما موافقة المرشد على ترشحه إلا مناورة لكسب الحماس الشعبي للانتخابات ولإعطاء المصداقية أمام العالم.

2- أن حظوظ رفسنجاني كبيرة، فهو أولا: مؤيد من الإصلاحيين جميعاً وبعض المحافظين المعتدلين وتجار السوق (البازار) والرئيس خاتمي وأنصاره وقطاعات شعبية.

 ثانياً: إن من مصلحة القيادة السياسية وأيضاً من مصلحة النظام السياسي الإيراني، فوز رفسنجاني، لأنه الوحيد القادر على إخراج إيران من أزمتها الداخلية والخارجية، فهو رجل هذه المرحلة الحرجة من النظام، كونه وجهاً سياسياً موثوقاً به دولياً وعربياً ومحلياً، فهو قائد براغماتي قادر على إصلاح علاقات إيران مع المجتمع الدولي، كما يحظى بقبول خليجي قوي بسبب علاقاته الوثيقة بدول التعاون وبخاصة السعودية، مما يمكنه من إقامة شراكة سياسية واقتصادية متوازنة مع دول المنطقة.

 وعلى المستوى الداخلي يستطيع تحسين الوضع المتأزم اقتصادياً وسياسياً نظراً لخبرته الطويلة وتاريخه الحافل، فهو من الآباء المؤسسين للنظام وكان رئيساً للجمهورية 1989- 1997 ورئيساً للبرلمان 1980 – 1989 واستطاع في فترة رئاسته تعزيز مؤسسات الدولة وتنشيط الاقتصاد وإقامة علاقات جيدة مع دول الحوار، فهو رجل المهمات الصعبة، إذ استطاع إقناع الإمام الخميني بإيقاف الحرب حماية للثورة ومهد السبل لوصول خامئني خليفة للخميني.

 يتسم بالحكمة وبعد النظر وعدم التهور، وبالتورط في مشاكل الآخرين، فهو يمثل حلقة الوصل بين المحافظين والإصلاحيين لأنه "محافظ وسطي"، وهو الأنسب لمواجهة تداعيات الداخل والخارج، ولذلك يرى أنصاره أن فوزه "يمثل منعطفاً مهماً في تاريخ إيران وفي هذا التوقيت بالذات على المستويين: الإقليمي بشأن سورية، والدولي بخصوص الملف النووي".

3- لا يعلق آمالاً كبيرة في حالة فوز رفسنجاني لجهة حصول تغيرات داخلية أو خارجية مهمة، لا في وقف المشروع النووي ولا في نهج عدم التدخل في شؤون المنطقة، وذلك من منطلق أن الإصلاحيين في إيران لا يختلفون عن المحافظين فيما يتعلق بثوابت السياسة الإيرانية وأيديولوجية ولاية الفقيه، طبقاً لعزيز الحاج في مقاله "أوهام التفاؤل برفسنجاني" وطارق الحميد في عموده "الثعلب الإيراني واللدغة الثالثة".

 أخيراً: مهما يكن الأمر فإني أتصور في فوز رفسنجاني تهدئة للأوضاع في الداخل الإيراني وتحسيناً للعلاقات بين دول مجلس التعاون وإيران.

***

استدراك:

 في مقالة سابقة "اليوبيل الذهبي لأول جمعية نسائية" ذكرت أن الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية في الكويت هي أول جمعية نسائية خليجية، وهذا خطأ إذ وردني ما يؤكد أن "جمعية نهضة فتاة البحرين" بمملكة البحرين، هي أول جمعية نسائية خليجية تأسست عام 1955، واحتفلت بيوبيلها الذهبي 2005، ولذلك وجب هذا التصحيح رعاية للأمانة التاريخية وتقديراً لجهود هذه الجمعية.

* كاتب قطري

back to top