ناظم حكمت يعود إلى تركيا بعد 50 عاماً
كان الشاعر التركي ناظم حكمت يصنف حتى وقت قريب في خانة «الممنوعين» على القنوات الفضائية، فرغم أنه الشاعر الأبرز أدبياً وحداثياً في تركيا فإنه ظل 50 عاماً غير مرحب بشعره وبشخصه، وتعرض للسجن والنفي. ولكن أخيراً سمحت منشوراته في تركيا.
بدا لافتاً غياب قرار من المحكمة في تركيا يجدد منع المنشورات وآلاف الكتب التي مُنعت في العقود الأخيرة، ومن بينها أعمال ناظم حكمت. رحب الوسط الثقافي والناشرون في تركيا بهذه الخطوة باعتبارها نقلة نوعية في بلد عريق يطلب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لكنه ما زال يعيش جزءاً من أزمة في حرية التعبير وحرية الصحافة، بدءاً من قضية الروائية أليف شفق التي تحدثت عن مجازر الأرمن فاتهمت بألف اتهام، من دون أن ننسى حائز جائزة «نوبل» أورهان باموق الذي اتهم بإهانة ما يسمى «الهوية التركية».لا تختلف الاتهامات التي وجهت إلى أليف شفق وأورهان باموق كثيراً عن تلك التي طاولت ناظم حكمت في أيامه، فهذا الشاعر، الذي أمضى 13 عاماً في معتقلات أتاتورك بتهم عدة من بينها «تحقير الدولة» حين قال في المحكمة: «الدولة تخاف من الشعر»، لم يكن الإفراج عنه إلا نتيجة كتابات ومقالات وإضرابات عن الطعام خاضها أدباء العالم، إضافة إلى تظاهرات وضغوطات كثيرة في تركيا.
كان الشاعر عبده وازن محقاً حين كتب: «لعلّ الظلم الذي لحق بحياة رائد الشعر التركي الحرّ ورائد الحداثة التركية في مفهومها الشامل، يماثل الظلم الذي ما برح يلحق به كشاعر وليس كإنسان فحسب ويتمثل في القراءة الأحادية التي أخضعه لها النقاد الأمميون والاشتراكيون والملتزمون. تلك القراءة التي قدّمت هذا الشاعر العالمي أو الإنساني بالأحرى ساهمت في عزله عالمياً (وعربياً أيضاً) وفي حصره ضمن الإرث الاشتراكي الذي جعلته التحولات الأخيرة من صنيع الماضي».والحال أن حكمت تعرض للظلم مرتين، مرة من الشيوعيين اليساريين مروجي أدبه وأقواله، ومرة ثانية من النظام الآتاتوركي العسكري الذي قمعه ونفاه بتهم واهية. بين الحب الشيوعي والقمع الأتاتوركي، كان شعر حكمت ضحية، فليس غريباً أن نقول إن الأحزاب الشيوعية العربية بقدر ما ساهمت في الترويج لحكمت بقدر ما أساءت إليه، جعلت معظم أدبه أسير الأيديولوجيا. ولم يقتصر التأثير الأيديولوجي عليه بل شمل التشيلي بابلو نيرودا والفرنسي لويس أراغون واليوناني يانيس ريتسوس والروسي ماياكوفسكي والمصري أحمد فؤاد نجم وغيرهم. كانت المجلات اليسارية العربية والأجنبية تجهد لتضع كل شعر هؤلاء في خدمة الثورات وقضايا العالم الثالث وما سمي «أحزاب التحرر العربية»، ولا تهتم بقصائدهم الوجودية أو الغرامية. كان انحياز بعض اليساريين إلى هؤلاء الشعراء انحيازاً إلى ولاءات الشعراء السياسية، وكانت مطالعة كتبهم سياسية قبل أن تكون شعرية.شاعر قبل النضالباتت قراءة ناظم حكمت من جديد أمراً ملحاً اليوم، من بوابة أنه شاعر قبل كل شيء، قبل النضال وقبل المواقف السياسية. شاعر استطاع أن يجسد معاناة الآخرين ويعبر عنها كأنها معاناته الشخصية، فهو لم يكن أيديولوجيا ولا حزبياً دوغمائياً بل عبّر بشعره عن معاناة الآخرين بشكل صحيح، وهو عرّف نفسه في قصيدة قصيرة:أنا إنسانأنا ناظم حكمت شاعر تركيأنا الحمية والحماسة من الساق حتى الرأسومن الساق حتى الرأس، كفاح ولا شيء غير الأمل،ذاك أنا. ولد ناظم حكمت لعائلة ثرية، مع بدايات الحرب العالمية الأولى. عاش حدثاً مروعاً فتح في قلبه جراحاً ظلت مفتوحة لوقت طويل، فقد قتل عمه علي العزيز على قلبه في معركة الداردنيل الشهيرة بقيادة مصطفى كمال ضد جيوش الحلفاء. وتحت تأثير تلك الفاجعة المؤلمة، كتب حكمت قصيدة حازت إعجاب العائلة والأصدقاء، ثم أخذ يرسل قصائده إلى المجلات الأدبية.شارك حكمت في حركة أتاتورك التجديدية ولكن بعدها عارض النظام الذي أنشأه اتاتورك وسجن في السجون التركية حتى 1950، ثم فر إلى الاتحاد السوفياتي، وتوفي في عام 1963. جرب في شعره الأشكال الممكنة كافة الحديثة منها والموروثة، وعزز تجربته بالثقافات كافة من حوله، خصوصاً بفضل علاقاته بأبرز الشخصيات الأدبية الروسية والأوروبية والأميركية وحتى العربية.أعادت له تركيا جنسيته بعد 58 عاماً من إسقاطها، ولعل أشهر عبارة له تقال في الثقافة العربية: «الحياة جميلة يا صاحبي». وكان لافتاً أن شعره يحضر في بعض المسلسلات التركية كما يحضر نزار قباني في المسلسلات السورية. بمعنى آخر، تحول ناظم حكمت إلى شاعر شعبي في بلاده رغم صلافة الأتاتوركية ضده، ورغم حب الأتراك لها.قصيدةالعجوزُ والبحر في سماءِ البحر يمرُ السحابُ المتعدد الألوانعلى صفحةِ مياهِهتجري السفينةُ الفضّيةفي مياههِ تسبحُ السمكةُ الصفراء وفي أعماقِه يرقصُ الطحلبُ البنفسجيفوقَ ترابِ الشاطئ يتساءلُ العجوزترى هل أكونُ السحابَأم السفينة؟ ترى هل أكونُ السمكةََأم الطحلبَ البنفسجي؟لا هذا ولا ذاك كُن البحرَ يا ولديالبحرَ بسحابهِوسفينتهِوسمكتهِوطحلبهِ البنفسجي ترجمة: د. محمد قصيباتتبنى البرلمان التركي في يوليو الماضي قانوناً ينص صراحة على أن القرارات القضائية والإدارية كافة التي تم اتخاذها عام 2012 وتنص على «مصادرة أو منع أو عرقلة بيع أو توزيع منشورات مطبوعة تسقط بالتقادم»، في حال لم تؤكدها محكمة خلال ستة أشهر. فقد انتهت الفترة السبت الماضي من دون صدور قرار يجدد منع الكتب المحظورة. وبهذا يعود توزيع 453 كتاباً و645 نشرة دورية، كانت مدرجة على لائحة المنع. وسيسمح بتوزيع مؤلفات عدد كبير من الكتاب الشيوعيين، فضلاً عن كتاب جوزف ستالين «تاريخ الحزب الشيوعي البلشفي في الاتحاد السوفياتي» ولينين «الدولة والثورة» وكتاب مصور وأطلس ومقال عن القضية الكردية أو تقرير عن وضع حقوق الإنسان في تركيا. بالإضافة إلى عدد كبير من الكتب والمؤلفات. كذلك شمل هذا القانون الجديد 23 ألف كتاب، بحسب تقديرات وزارة العدل التركية. عودة آلاف هذه الكتب الممنوعة بموجب قانون إصلاحي دخل حيز التنفيذ مع بداية هذا العام.