حكم الدستورية
كما بينت في مقالي السابق أن لدينا التزاماً أخلاقياً بقبول حكم المحكمة الدستورية بغض النظر عن رأينا فيه لأن لدينا واجباً أخلاقياً كمواطنين للالتزام بالقانون وبالدستور الذي تنص المادة 173 منه على إعطاء المحكمة الدستورية سلطة الفصل في النزاعات الدستورية لتكون المرجعية الوحيدة لحسم أي خلاف حول دستورية القوانين أو حول تفسير النصوص الدستورية، فاحترامنا للحكم نابع من احترامنا لدولة المؤسسات التي نطالب بتعزيزها.إن احترامنا لأحكام المحكمة الدستورية لا يعني على الإطلاق قناعتنا بما آلت إليه، فالنقاش حول الأحكام ونقدها من الممارسات المباحة في الأنظمة الديمقراطية. والنقاش حول الأحكام ونقدها لا يعني التشكيك في القضاء والطعن بشخوص القضاة، فالقراءات مختلفة ومتعددة وتأتي الأحكام في نهاية المطاف كي تنتصر لرأي دون آخر. ونترك تحليل حيثيات الحكم للخبراء الدستوريين إلا أنني وبعد قراءة سريعة للحكم وحيثياته لم أجد ما يقنعني بأن مرسوم الصوت الواحد تنطبق عليه حالة الضرورة، ولم أجد ما يقنعني بالاختلاف بين مرسوم الصوت الواحد ومرسوم تشكيل اللجنة العليا للانتخابات من حيث توافر عنصر الضرورة في المرسوم الأول وعدم توافرها في المرسوم الثاني.
إلا أنني أقر بإعجابي الشديد لدفاع المحكمة الدستورية عن حقها في تقييم ومراقبة مراسيم الضرورة ورفضها لأحد تلك المراسيم وما تبع ذلك من إبطال لمجلس موالٍ للحكومة بامتياز، فهي بذلك تكون قد أسست سابقة لقاعدة مستقبلية حول ضرورة تقييد استخدام مراسيم الضرورة حتى وإن جاءت برغبة أميرية وما هذا إلا انتصار لدولة المؤسسات وللمشاركة الشعبية في الحكم.وبعد حسم المحكمة للجدل حول دستورية الصوت الواحد، يبقى تقييمنا له كنظام انتخابي قائماً فهو نظام سيئ للغاية لأنه يقلص حق الناخب في اختيار ممثليه ويكرس الولاء للطائفة والعائلة والقبيلة ويسهل عملية شراء الأصوات والولاءات ويعزز من دور نواب المعاملات، كما إنه يسهل مهمة السلطة في السيطرة على مخرجات الانتخابات وضمان مجالس موالية لها، وكل ذلك من شأنه أن يحول مجلس الأمة إلى مجلس صوري يفتقد أهم مقومات الاستقلالية في القرار. إن البحث عن نظام انتخابي جديد لتلافي ما نعانيه من أمراض في الممارسة السياسية أصبح مطلباً ملحاً إلا أنه يتطلب توافقا شعبيا نتمنى بلوغه. أقول هذا الكلام وفي داخلي صوت يتساءل: هل مشكلتنا في النظام الانتخابي؟ وهل حلها يكمن في نظام جديد؟ أم إنها أعمق من ذلك بكثير، هي بلا شك أعمق بكثير.