ما يصلح للاحتياطي الفدرالي لا يصلح لبنك إنكلترا

نشر في 09-07-2013 | 00:02
آخر تحديث 09-07-2013 | 00:02
No Image Caption
يستطيع المحافظ الجديد لبنك إنكلترا حشد حجج قوية لمصلحة التغيير، ويمكن للتوجيه أن يضمن أن الأسواق تعرف أن السياسة ستظل متساهلة لفترة أطول مما تفرضه التوقعات الحالية، التي ترى أن أسعار الفائدة سترتفع في 2015، وهذا يعطي نشاطاً نقدياً مفيداً وحافزاً لاقتصاد مصاب بضعف مزمن.

البنوك المركزية تتبع الموضة بصورة فطرية، لكن ينبغي لها ألا تكون مستعبدة لها، وهذا ما يحتاج إليه بنك إنكلترا بصورة ماسة.

وأول قرار مهم حول أسعار الفائدة يتخذه مارك كارني بصفته محافظ البنك، يأتي وسط بيانات قوية لا يرجح لها أن تستدعي إجراءات فورية عجيبة في التسهيل النقدي. وبالتالي، الأثر الحقيقي للمحافظ الكندي سيأتي بعد شهر حين يُدخِل البنك فكرته الكبيرة، وهي الإرشاد والتوجيه حول المستقبل.

ولاتزال الموضة الشائعة في البنوك المركزية، بما فيها الاحتياطي الفدرالي وبنك اليابان، هي إخبار الشركات والأسر والأسواق عن الفترة التي تستمر فيها السياسة النقدية ذات الطابع التحفيزي الفائق، وهي موضة في طريقها إلى بريطانيا.

سياسة متساهلة

ويستطيع المحافظ الجديد لبنك إنكلترا حشد حجج قوية لمصلحة التغيير، ويمكن للتوجيه أن يضمن أن الأسواق تعرف أن السياسة ستظل متساهلة لفترة أطول مما تفرضه التوقعات الحالية التي ترى أن أسعار الفائدة سترتفع في 2015، وهذا يعطي نشاطا نقديا مفيدا وحافزا لاقتصاد مصاب بضعف مزمن.  ولأنه لا يوجد عدد كبير من الأسباب القوية وراء ارتفاع تكاليف الاقتراض منذ إعلان الاحتياطي الفدرالي رغبته في الانسحاب التدريجي من التسهيل الكمي، يمكن للتوجيه كذلك أن يساعد على فصل عوائد السندات الحكومية البريطانية عن عوائد السندات الأميركية، وسيمكن ذلك بنك إنكلترا من التواصل مع الشركات والأسر، التي لديها أشياء لتفعلها أفضل من اتباع سوق السندات البريطانية، من خلال إقناعها بأن الاقتراض سيظل رخيصاً لفترة من الزمن.

وحتى ينجح هذا التوجيه، يحتاج إلى أن يكون بسيطاً وعلى علاقة بالأهداف الاقتصادية للنمو القوي والتضخم الضعيف، ويكمن الخطر في تقديم التزامات بالسياسة النقدية يمكن أن تبدو سخيفة في المستقبل، ما يضطر البنك المركزي إلى التراجع وفقدان ماء الوجه.

وأبسط شكل من التوجيه مرتبط بعامل الزمن، حيث يُلزِم البنك بالإبقاء على سياسة مفرطة في التسهيل لفترة معينة، ورغم ان كارني متأكد من أن هذه الفكرة أنقذت كندا في 2009، إلا أن مثل هذا الالتزام المسبق يتسم بالخطورة، إذ ليس للبنك المركزي في الواقع فكرة اليوم عن الفترة التي يحتاج إليها لإبقاء قدمه على دواسة السرعة، وبالتالي سيتبع بنك إنكلترا الاحتياطي الفدرالي، ويختار توجيها متوقفا على الوضع، يربط السياسة النقدية المستقبلية بتطور الاقتصاد.

تشديد مستقبلي

وطلبت وزارة المالية البريطانية من البنك التعليق على المتغيرات الاقتصادية التي يستطيع استخدامها كعتبات متوسطة، وفي الوقت نفسه الإبقاء على الهدف التضخمي النهائي عند 2 في المئة. ويرجح لبنك إنكلترا أن يستخدم مقياساً معيناً للتراخي الاقتصادي، على نحو يربط التشديد المستقبلي للسياسة باللحظة التي يُرى فيها أن الطاقة الإنتاجية الفائضة تراجعت بما يكفي في الوقت الذي يستمر فيه الانتعاش الاقتصادي.

وما يدعو للأسى أن مقاييس التراخي في بريطانيا في الوقت الحاضر عرضة للأخطاء، وليست هناك طريقة ممكنة ندعي فيها الأدب: كل هذه الأساليب لا قيمة لها من حيث مهمة التوجيه.

ومن المتوقع أن يكون التضخم –المقياس النهائي– أعلى من هدف 2 في المئة خلال السنتين المقبلتين، ما يشير إلى عدم وجود تراخ اقتصادي، وهو أمر لا يؤمن به عاقل. والبطالة ليست أفضل من حيث كونها مقياساً، فقد انقطعت علاقتها ببقية الاقتصاد منذ 2008، وبالتالي فإن اتباع توجيه الاحتياطي الفدرالي من شأنه أن يتضمن ربط السياسة بمتغير لا نفهمه، وهذا ليس منطقياً.

ولا يمكن ملاحظة فجوة الناتج، كما أن نطاق المؤشرات الدورية، الذي كان هو المقياس المفضل للتراخي الاقتصادي من قبل مكتب مسؤولية الميزانية، تصرفت بصورة غريبة تماماً إلى درجة أنها لا تصلح هي الأخرى، ولأنه ليست لدينا فكرة عما إذا كان الاتجاه العام للناتج قبل الأزمة قابلاً للاستدامة، لن يصلح للتوجيه أن نعرف الفجوة بين الناتج الحقيقي أو الاسمي اليوم واستمرار الاتجاهات العامة لما قبل الأزمة.

تراخ اقتصادي

إن غياب مقياس موثوق للتراخي الاقتصادي في بريطانيا ينبغي ألا يعني نهاية طموحات كارني، فكل ما يحتاج إليه هو العودة إلى المبادئ الأولى وتقديم بعض اليقين حول السياسة على علاقة بالمتغيرات التي تهم سلامة الاقتصاد البريطاني.

وليس هناك غموض يذكر، فقد كان الاقتصاد مصاباً بنقص مزمن في النمو من حيث الإنفاق على السلع البريطانية، وبإمكاني استخدام المصطلح الفني، وهو النمو في الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، لكن المختصر العامي أفضل ويسهل فهمه من قبل الأسر والشركات.

بالتالي، السياسة المنطقية ينبغي أن تكون هي الاستمرار في السياسة النقدية المتساهلة إلى حين أن يرتفع الإنفاق على السلع والخدمات البريطانية إلى معدل سنوي يبلغ على الأقل 4.5 في المئة لسنتين. ولابد من وجود رقم تضخمي للحؤول دون أي انفلات لأسعار الأجور، لكن بالنظر إلى ضعف نمو الرواتب، من المستبعد تماماً أن يكون هذا عائقاً. والتوجيه في السياسة النقدية فكرة جيدة، وقد آن أوانها. لكن لابد أن تكون مرتبطة بمتغير اقتصادي مهم. وفي بريطانيا، هذا المتغير هو نمو الإنفاق.

* (فايننشال تايمز)

back to top