مسلم البراك مواطن وسياسي كويتي، لهُ بصمة على الواقع المحلي يختلف الكثيرون حول غلبة طابعها الإيجابي أو السلبي، وشخصياً فإنني أرى في البراك وفي بداياته انطلاقة  نقابية وسياسية رائعة، ضاعت بعد ذلك في متاهات توازنات السياسة وألاعيبها، وكانت لي مراجعة مع نفسي وموقفي منه كمراقب سياسي ومهتم بالشأن العام عندما شهدت موقفه في استجواب الوزير السابق محمد ضيف الله شرار، ومذ ذلك الحين وأنا أتابع تناقضاته وتنقله بين المواقف المتضادة التي لا تنسجم مع بعضها بعضاً، كان آخرها كسر القانون بعدم الامتثال لحكم المحكمة، بينما يؤكد أن مواقفه ونضاله غايتها الإصلاح وتطبيق القانون!

Ad

مؤسف أن يكون سياسي ذو شأن ومكانة وتاريخ، وإن اختلفنا حوله، مختبئاً عن العدالة كأي مطلوب جنائي، ومفجع كذلك أن يسن مُشرع ذو خبرة وتاريخ سُنة أو بدعة إبراز الكتاب الأصلي لكي ينفذ حكماً قضائياً التي يرددها، واخترعها  له بعض المحامين، ومؤلم أن يحرض من يطالب بالدستور ودولة القانون قبيلته لتكون درعاً واقية له تجاه الدولة وسلطاتها، ويكون في وسط مسيرة تتعمد التعرض لمرفق عام يمثل كيان وهيبة الدولة مثل مخفر الأندلس الذي يرتفع فوقه علم دولة الكويت، والمستغرب جداً أن يتخلى قائد سياسي مثل البراك عن رفاقه الذين يشاطرونه نفس القضية ممن ينفذون أحكاماً بالسجن بينما يتخلف هو عن مشاركتهم نفس الثمن الذين يدفعونه لنصرة قضيته السياسية التي استجابوا هم نصرة ودعماً لها، وإن كانت بأساليب مجرمة ومستهجنة منهم.

التبريرات والجدل في قضية خطاب مسلم البراك في ندوة "كفى عبثاً" التي أدانها القضاء لا تنتهي ومتشعبة، لكن القضاء قال كلمته فيها وهناك نص قانوني يجرمها، والتبرير بأن كل ما يقال في المهرجانات السياسية الخطابية غير مؤاخذ عليه ورأي حر هو "كلام فاضي"، فعندما يقف أي سياسي في أي ديمقراطية أوروبية أو غيرها في مهرجان خطابي ويتفوه بكلمة تتعرض لأي قانون سائد وسار يتعلق بالسامية أو حماية الأقليات أو القضاء أو الأمن القومي فإنه يؤاخذ قضائياً إلى أبعد مدى دون حصانة أو استثناءات عن المحاسبة.

واقعنا الحالي ينزلق تدريجياً من مرحلة الفوضى إلى المجهول الذي يبدو أن واجهته هي التعصب القبلي الذي يتم تأجيجه وإبرازه بواسطة خطاب العصبية العرقية أحياناً والمعتقد الديني أحياناً أخرى، وبواسطة رموز تيار الإسلام السياسي، وهي حالة يجب حسمها في البلد سريعاً قبل أن ندخل في مرحلة "المواجهات والخراب" التي سيكون ثمنها غالياً، والتي يبدو أن هناك من يسعى إليها خاصة بعد أن رفض مسلم البراك كل نداءات الالتزام بسلطة الدولة والقانون عبر تسليم نفسه واستكمال مشواره القضائي عبر الطرق النظامية، مفضلاً ما أسماه المرحلة الجديدة بعد أن "رفعت الأقلام وجفت الصحف"، كما قال في لقاء تلفزيوني، وهنا فإن مسلم البراك قد اختار طريقه الذي سيواصله بمعرفته متحدياً الدولة ونظامها، لكننا أمام قطاع كبير عزيز من المجتمع هم أبناء قبيلته الذين يجر بعضهم للمواجهة العبثية، لذلك فإن الدولة مطالبة مجدداً بأن تتوجه لهم بنداء وحوار بكل السبل، لكي يعودوا إلى سقف الدولة كمواطنين في دولة القانون، قبل أن يقع في وطنهم ما لا تحمد عقباه ويكونوا هم سبباً مباشراً فيه.