عيدكم مبارك وأيامكم سعيدة، وحقيقي هذا المعنى وعلى وجه الخصوص حين يأتي هذا العيد بشهر أغسطس، الذي يحمل للكويتيين أسوأ ذاكرة لهم، ألا وهي الغزو الصدامي- وذلك كي لا نقول العراقي التي تزعل إخواننا العراقيين منا- هذا الغزو الذي لم يتوقعه أحد أو يتخيله ولا حتى في الأحلام، وكان من الممكن أن يستمر هذا الكابوس المرعب حتى يومنا هذا، لولا رحمة من الله ولطفه الذي غير الحال ووضع كفة الميزان الحق بجانبنا، وجعل العالم كله يقف معنا ويُعيد لنا كويتنا وهويتنا الغالية، حتى وإن كانت عودة بلادنا على حساب تحقق مخططات المؤامرات اللاحقة التي أعقبت تحرير الكويت، ومازالت إلى يومنا هذا سارية وماضية في جدولها المخطط له في سيناريوهات، وما كان غزو الكويت إلا المفتاح لها.

Ad

لذا يأتي عيد الفطر في هذا العام بطعم مختلف، لأنه يذكرنا بالأسوأ، مما يجعل من طعم هذا العيد الأفضل، فالحمد لله أننا نحتفل بالعيد الذي يأتي في ذاكرة 23 سنة على مروره، وبذات العدد على تحررنا منه، وعقبال تحرر أشقائنا العرب في كل من مصر وسورية وتونس وليبيا من كل الكوابيس الدموية التي تنهش في بلادهم، وعسى الله أن يمن عليهم بفضله ورحمته ويعيد لهم بلادهم كما يبغونها، وعزة كرامتهم وحريتهم كما تليق بهم، وعيد حقيقي يحل عليهم مثل عيدنا.

ربما البعض منا لا يدرك ولا يحس بالمعنى الجوهري والعميق من وراء كلمة العيد، ويردد الكثير منهم جملة "عيد بأي حال عدت يا عيد"، خاصة عندما تكون الأيام كلها متشابهة لا تختلف عن أيام العيد بشيء، سوى الحصول على عدة أيام عطلة خالية من العمل، تتيح الزيادة بممارسة الطقوس المعتاد ممارستها في كل أيام السنة، وأقصد بها حياتنا في الكويت أو الخليج، فطقوسنا اليومية هي، هي لا تتغير ولا تختلف سواء كان عيدا أو بدون عيد، فنحن نجتمع ونتزاور، ونحتفل بالتورتات ولكبكيك في كل الأوقات، ونرتاد المقاهي والمطاعم في كل الساعات، ونتجول في المحلات والأسواق والمولات كل أيام الشهر، ونقضي الويكند في الشاليهات، والإجازات تُقضى بالسفر حتى وإن كانت عدة ساعات، فما الجديد والمختلف والمبهج الذي يأتي به العيد؟

فالحمد لله على النعم التي لا تُعد وتُحصى، وعلى قمتها نعمة الأمن والأمان التي عرفنا نحن بالذات واختبرنا معنى عدم وجودها، ونرى حولنا فزع وعذاب كل من لا يتمتع بها، وربما الأجيال التي ولدت من بعد تاريخ هذا الغزو لا تشعر ولا تدرك قيمة هذا الإحساس الذي تتضاءل بجانبه كل المتع الأخرى، فبدون الشعور بالاطمئنان لا شيء له أي قيمة، لأن المتعة والتمتع لا تتولد إلا من وضع آمن مستقر ونفس هادئة مطمئنة.

لذا يجب أن ندرك في كل لحظة تمر علينا، وكل نفس يدخل الصدر نعمة وقيمة الطمأنينة والأمان التي نعيش ونتمتع بها.

ولعل المعنى الجوهري من العيد هو أولاً مكافأة الفطر من بعد صيام شهر بأكمله، خاصة عندما يحل الصيام في شهور الصيف التي يحتاج الجسم فيها إلى كميات ماء أكثر من المعتاد، حتى وإن كان الصيام في غرف مكيفة، إلا أن العطش صعب وساعات النهار طويلة.

وثانيا وهو في رأيي المعنى واللب الأهم في الاحتفالات كلها، سواء كانت أعيادا أو مناسبات أو أي شكل من أشكال الزيارات واللقاءات، وهو إتاحة الفرصة لاقتناص اللحظات الحميمة التي تقربنا من بعضنا البعض، سواء كانت سعيدة أو للشكوى وتبادل الهموم أو للبهجة والفرح، المهم منها هو عيشها بصدق حتى النخاع، فهذا كل ما نملكه من حقيقة حياتنا ووجودنا كله، وهي زاد العمر وذكرياته التي نختزنها ونعيد إنتاجها في كل لحظات التذكر التي نستمر فيها طوال حياتنا، وهي الفيلم الذي يغذي العاطفة كلما أُعيد تشغيله، خاصة عندما يغيب منها أحد أبطال هذه اللحظة المعيشة والمقتنصة في عيش حقيقي وكامل، حينها يكون للاستعادة ذات الطعم الذي كانت عليه، ونسعد لأننا عشناها حتى العظم، فكل ما نملكه من حقيقة وجودنا هو هذا التواجد الأرضي المؤقت، فيا ليت ننعم به ونقبض على لحظاته في كل المناسبات خاصة عندما تكون عيدا.