لايزال معظم القيادات السياسية والحزبية اللبنانية، على الرغم من مرور ثلاثة أيام على تسمية النائب تمام سلام لتشكيل الحكومة الجديدة، يبحث عن الأسس السياسية التي تمت على أساسها التسمية، لاسيما في ظل سير «حزب الله» و»حركة أمل» خصوصاً و»قوى 8 آذار» عموماً في هذه التسمية بغض النظر عن «تسجيل الموقف» الذي لجأ إليه كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية بامتناعهما عن زيارة القصر الجمهوري في بعبدا والمشاركة في الاستشارات النيابية الملزمة.
وبحسب معلومات لـ»الجريدة» من مصادر دبلوماسية عربية معنية في بيروت، فإن تسمية سلام لم تأت نتيجة تسوية سياسية مسبقة ومعدة تفاصيلها سلفاً، وإنما ترجمة لمتغيرات في موازين القوى الإقليمية والدولية التي ترعى الوضع اللبناني.وتوضح المعلومات أنه كان من الطبيعي في السياق العام لتطور الأوضاع في المنطقة عدم الإبقاء على الحكومة المستقيلة والتوازنات التي بنيت على أساسها، بعد زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما الأخيرة الى الشرق الأوسط ونجاحه في إجراء مصالحة بين إسرائيل وتركيا، وبعد دفعه باتجاه مصالحة تركية – كردية لقيت صداها داخل سورية من خلال انضمام كردي أكبر الى المعارضة، ومواجهات بين فصائل كردية كانت حتى الأمس القريب محسوبة على الرئيس السوري بشار الأسد من جهة وقوات النظام من جهة مقابلة، وبعد تسليم مقعد دمشق في جامعة الدول العربية الى المعارضة السورية.وترى المصادر الدبلوماسية العربية الرفيعة أن القرار اللبناني في ظل المتغيرات التي سبقت الإشارة إليها لا يمكن أن يبقى من الناحية العملية منحازاً الى النظام السوري على الرغم من الموقف المبدئي المعلن بالنأي بالنفس الذي لم يترجمه يوماً لا وزير الخارجية عدنان منصور ولا غيره الكثيرون من المسؤولين اللبنانيين السياسيين الممسكين بالأكثرية الحكومية الذين غالباً ما تجاوزوا توصيات رئيس الجمهورية ميشال سليمان وتوجيهاته لهذه الناحية.وانطلاقاً من هذه المقاربة، فإن المصادر الدبلوماسية العربية في بيروت تؤكد أن استقالة الحكومة السابقة لم تأت من أجل استبدالها بحكومة تعتمد السياسة نفسها، وبالتالي فإن المطروح بالنسبة الى الحكومة الجديدة واحد من أمرين:1 - إما اعتراف عملي وفعلي من جانب «حزب الله» و»قوى 8 آذار» بهذه المتغيرات وتكييف سياساتهم مع التوجهات الجديدة من خلال القبول بالتخلي عن مثلث «الجيش والشعب والمقاومة» في البيان الوزاري للحكومة المقبلة، وعندها لا شيء يحول دون مشاركتهم في هذه الحكومة.2 - أو مضي «قوى 8 آذار» في المناورات الاستيعابية تحت مسميات مختلفة منها «حكومة الوفاق» أو «حكومة الاتحاد الوطني»، وعندها سيكون على لبنان مواجهة فصل جديدة من فصول سياسة عض الأصابع ولي الأذرع بدءاً بمسار تشكيل الحكومة الجديدة وانتهاء بقانون الانتخاب المقبل.ويسود اعتقاد في أكثر من موقع قرار لبناني بأن لبنان مقبل على مرحلة جديدة من المواجهة السياسية التي سيحاول من خلالها «حزب الله» وحلفاؤه إفراغ التغييرات الحاصلة في موازين القوى من مضامينها العملية، وهو ما سيلقى رفضاً لبنانياً وعربياً ودولياً سيترجم عراقيل في طريق تشكيل الحكومة الجديدة.أما أقصى ما يمكن لرعاة الوضع اللبناني المستجد أن يقبلوه فهو بيان وزاري لا يأتي على ذكر موضوع سلاح «حزب الله»، ويكتفي بالتركيز على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في مواعيدها وفقاً لقانون انتخاب جديد يتم التوافق عليه بمعزل عن مواعيد إجراء هذه الانتخابات، وبمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية والاجتماعية الضاغطة.وفي مثل هذه الحالة، فإن الاتجاه يميل الى حكومة لا يكون فيها للفرقاء السياسيين والحزبيين تمثيل مباشر، وإن كانت التركيبة الحكومية المقبلة لن تأتي مستفزة أو معادية لأي من الفرقاء.وتختم المصادر الدبلوماسية بالإشارة الى أن أي حكومة وفاق وطني حقيقي لا يمكن أن تتشكل في لبنان من دون أن يتولاها رئيس تيار المستقبل سعد الحريري شخصياً على قاعدة أن الوفاق لا يمكن أن يستثني أحداً، خصوصاً في ظل إمساك «قوى 8 آذار» والرئيس نبيه بري برئاسة مجلس النواب.
دوليات
تسمية سلام... ترجمة لتغيير موازين القوى لا تسوية سياسية غير معلنة
09-04-2013