«اتفاقية الفداوية!»
يعود موضوع الاتفاقية الأمنية إلى السطح مجدداً على الرغم من المؤشرات العديدة على صعوبة نظر مجلس الأمة فيها قبل صدور حكم المحكمة الدستورية الذي قد يقرر مصير هذا المجلس من جذوره.وعلامات الاستفهام التي تدور حول الترويج والتسويق للاتفاقية الأمنية في هذا التوقيت، ومع الأسف الشديد، في مبنى مجلس الأمة لا تقل ريبة عن علامات الاستفهام التي تغلف الاتفاقية نفسها!
فعلاً تحول هذا المجلس الضعيف في كل شيء إلى سلعة رخيصة جداً، وصار على استعداد لبيع البلد بمن فيه، ووضعه في قفص أمني كبير في مقابل صفقات لتعيين بعض المقربين في مراكز قيادية، ونواب هذا المجلس قبل غيرهم يعرفون حجمهم تماماً ويدركون أنهم لا يمثلون الإرادة الفعلية للأمة، وهذا الواقع لوحده كفيل بمنعهم من تقرير مصيرنا خصوصاً في البعد الأمني، والأدهى من ذلك أن المجلس نفسه صار "يرقل" ومهدد بالزوال كاحتمال قائم مع بدء العد التنازلي لحكم الدستورية.وفي التفصيل، فإن ما سمعناه في الندوة العقيمة لمجلس الأمة يثير الاشمئزاز فعلاً، والندوة مصداق للمثل القائم "صام صام وفطر على بصلة"! فلأول مرة يعقد المجلس منتدى حول قضية منظورة، ولكن بطرح سخيف ينسف هيبة السلطة التشريعية الكويتية وتاريخ الديمقراطية، وتلك المخالب الحادة التي طالما دافعت عن الحريات والمبادئ وسيادة الدولة.أنا شخصياً لا أفهم، مع احترامي لشخوص المتحدثين، وهم جميعاً يمثلون الرأي الحكومي ما عدا الدكتور عبدالرضا أسيري الذي نحييه على شجاعته وموضوعيته المعهودة، ربط الاتفاقية الأمنية التي كشفت بنودها بوضوح أنها موجهة إلى مواطني دول مجلس التعاون، وتسعى إلى تكميم أفواههم وملاحقتهم في دول خليجية أخرى على الرأي والتعبير عن مواقفهم السياسية، ربط ذلك بالأمن العسكري والاستراتيجي للمنطقة! فهل وصلت بنا الحال بعد هذه السنوات الطويلة من الثقافة السياسية، ووصول مستويات الوعي السياسي إلى ذروتها في عصر العولمة والمعلوماتية، إلى أن يتجرأ البعض على ترويج سياسات الحكومة عبر الضحك على ذقوننا!ما علاقة الاتفاقية الأمنية بالحروب الإقليمية التي مرت على الخليج؟ وما الفكرة العبقرية لمفهوم السياج الأمني وارتباطها بالكتابة الصحافية أو التغريد في وسائل التواصل الاجتماعي؟إذا كان المقصود بالخطر الأمني تلك التهديدات الخارجية لدول مجلس التعاون سواء من إيران أو العراق أو اليمن أو أي دولة أخرى، فمن الأولى أن تكون الاتفاقية موقعة من رؤساء الأركان ووزراء الدفاع و"كوجا مرحبا" وزراء الداخلية "رازين" وجوههم في المقدمة!وأين الجيش الخليجي ودرع الجزيرة والاتفاقيات الدفاعية مع أميركا وبريطانيا والصين وروسيا وفرنسا التي دفعت من أجلها المليارات؟!الاتفاقية الأمنية ببساطة هي من أجل منع أي مواطن خليجي من انتقاد الحكومات الخليجية ورموزها، أو التعرض لأبناء الأسر الحاكمة، أو تمكين مواطني مجلس التعاون من تبادل الرأي والتفكير حول مستقبل بلدانهم.والمصيبة أن بعض الدول الخليجية "حاشرين" أنفسهم في شؤون الدول الأخرى ويسمحون لأنفسهم بقلب الأنظمة السياسية والتحريض عليها إعلاميا ومالياً وسياسياً حتى عسكرياً، ولا يقبلون أن تنتقدهم شعوبهم في كل أشكال الفساد المتفشية عندنا، وهذا ما يدافع عنه اليوم أعضاء مجلس الصوت الواحد وكأنهم "فداوية" جدد!