البحث عن الذهب ليس بالمهمة السهلة كما قد يظن بعض الناس، فالذهب لا يوجد مرمياً بين الجبال أو في البراري مسكوكاً في سبائك أو عملات مبذولة لمن يلتقطها، وإنما يتكون في الطبيعة عروقاً وشذرات صغيرة تختبئ في قلوب الصخور، لتحتاج إلى تنقيب عميق وجهد مضنٍ لاستخراجها، ومن ثم نقلها إلى الأفران حيث يتم تعريضها لدرجات حرارة عالية وقاسية تصهرها وتذيبها فتنقيها من الشوائب، ومن ثم يصب السائل الذهبي النقي في قوالب ليبرد فيها على مهل ويصبح في نهاية المطاف سبائك تعادل أغلى الأثمان. أحبتنا أنتم سبائك الذهب في أعمارنا. خبأتكم لنا الأقدار أشهراً وسنواتٍ ثم أظهرتكم في لحظات فارقة من أيامنا عروقاً وشذرات مزروعة في قلوب التحديات والصعاب والظروف العنيدة، فكابدنا حرارتها سوياً، وتعبنا من نارها وتعبتم، وشقينا من لهيبها وشقيتم، وتألمنا وهي تنتزع الراحة وهدوء البال من أيامنا وتألمتم، تماماً كمعاناة ذلك الذهب الذي ينتزع من قلوب الصخور ثم يصهر ويذاب في تلك الأفران المشتعلة.

Ad

أحبتنا سبائك الذهب. لم يكن ممكناً أبداً أن نخلص بكم سبائك صافية نقية غالية وأن تخلصوا بنا لولا مواجهة هذه الآلام ودون هذه المعاناة. لم يكن لنا أبداً أن نصل بكم ومعكم إلى حيث مرافئ الراحة والسعادة والثقة والاطمئنان لولا الإبحار على امتداد الأمواج العاتية لكل هذه الظروف العسيرة والتحديات المضنية.

أحبتنا سبائك الذهب. شرارات الحب قد تقدح بين الناس بسهولة والنار قد تشتعل، ولكن ليس من اليسير أبداً أن يظل الحب مشتعلاً على مر الزمان كي يمدهم بالدفء والنور دون أن يمدوه في المقابل بالوقود. نار الحب تحتاج إلى وقود الرعاية والعناية والاهتمام والعطاء والتمسك والتغافل عن الزلات والصفح والتسامح والتسامي حتى تظل مشتعلة دافئة وضاءة. ووقودها يستخلصه المحبون من أرواحهم وأنفسهم وأحاديثهم الحانية وطاقاتهم المبذولة وجهدهم المعطى.

أحبتنا سبائك الذهب. ليس ثميناً ما يمكن الحصول عليه بسهولة، وليس ثميناً ما يكون التفريط فيه بسهولة، وليس ثميناً ما لا يستحق المعاناة والبذل والعطاء والتضحية. وأنتم من لم نفز بهم بسهولة، ولأجل الوصول إليكم أرخصنا الغالي والنفيس وقدمنا كل معاناة وعطاء وتضحية، وما كنا بعدها لنفرط فيكم أبداً.

أحبتنا، هذا هو الحب الذي نعرف، وهذه هي الحقيقة التي بها نؤمن، وهذا هو المقياس الذي به نزن الأمور، وأنتم من سنظل نتمسك بهم أبداً، لأنكم بكل بساطة ثروتنا الأغلى، فأنتم سبائك الذهب!