قال العوضي إن تخزين النفط أداة استراتيجية تسويقية جيدة، إذا تم استغلالها بعقلية التاجر المحترف الذي يهدف إلى تحقيق أفضل العوائد من بيع النفط الخام أو المشتقات النفطية، وذلك باغتنام الفرص المتاحة من جراء تقلبات الأسعار.

Ad

أبرمت الكويت عام 2008 اتفاقا بشأن تخزين مليوني‮ ‬برميل من خامها في‮ ‬كوريا الجنوبية، ويعطي‮ ‬الاتفاق كورية الجنوبية حق الأولوية في‮ ‬شراء الخام من مؤسسة البترول الكويتية‮.‬

غير أن هذا الأمر يراه البعض تجاوزاً على النصوص الدستورية وسابقة خطيرة تنذر بإمكانية استباحة جميع الاحتياطيات النفطية ونقلها وتخزينها في‮ ‬أرض أخرى بقرار‮ ‬يتخذه مسؤول‮ ‬يتصور أنه‮ ‬يملك مثل هذا الحق‮ ‬،‮ ‬ما دام سمح لنفسه بالتصرف بجزء من هذه الثروة‮.‬

ويشيرون إلى أن المادة‮ «‬21‮» ‬من الدستور تنص على أن الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة،‮ ‬تقوم على حفظها وحسن استغلالها بمراعاة مقتضيات أمن الدولة،‮ ‬واقتصادها الوطني‮.‬

كما تنص المادة‮ «‬152‮» ‬من الدستور على أن كل التزام باستثمار مورد من موارد الثروة الطبيعية أو مرفق من المرافق العامة لا‮ ‬يكون إلا بقانون ولزمن محدود، بحيث تكفل الإجراءات التمهيدية تيسير أعمال البحث والكشف وتحقيق العلانية والمنافسة‮.‬

وتبقى الأسئلة مطروحة حول الأسباب التي تستدعي لتخزين النفط في الخارج؟ وما هو الأكثر كلفة: التخزين في الخارج أم إرسال النفط بالناقلات؟ وهل تخزين النفط يعتبر تصرفاً غريباً يتجاوز النصوص الدستورية وسابقة خطيرة تنذر بإمكانية استباحة جميع الاحتياطيات ونقلها وتخزينها في أرض أخرى؟ هذه الأسئلة طرحتها «الجريدة» على الخبير المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي، الذي أكد أن تخزين النفط في الخارج يرجع إلى أسباب استراتيجية وسياسية وأخرى تسويقية.

وأوضح أن التخزين في الخارج يلعب دوراً مهما في الصناعة النفطية وتجارتها العالمية ويعد أداة مؤثرة لتحقيق الارباح وتقليل الخسائر المتوقعة، خاصة عندما تكون اوضاع الاسواق النفطية غير مستقرة، مستشهدا على ذلك باستخدام أميركا احيانا مخزونها النفطي SPR وضخ كميات الى السوق للحد من ارتفاع الاسعار.

وأضاف العوضي أن بناء خزانات النفط الخام والمنتجات البترولية يعطي الدول المستهلكة والمصدرة قدرا من الحماية في حال تعرض الأسواق النفطية الى تقلبات في الأسعار ونقص الإمداد بسبب التوترات السياسية او غيرها، مبيناً أن سعة التخزين العالمية المتاحة تقدر بحوالي 250 مليون متر مكعب، تستخدم لتخزين النفط الخام والمشتقات البترولية مثل البنزين، وقود الطائرات، النافثا، الكيروسين، الديزل، LNG، LPG ووقود السفن.

مناطق استراتيجية

وأكد ان هناك مناطق استراتيجية حيوية لتجارة النفط حول العالم تسعى شركات تزويد خزانات النفط العالمية ومن اشهرها VOPAK و OILTANKING و BUCKEYEو VITOL و SUMED إلى تأجير خزاناتها لمن يتعامل بالنفط والمشتقات البترولية سواء شركات مصافي النفط، أو الشركات المصدرة للنفط أو المستهلكة وأيضا الشركات المتاجرة بالنفط وبالمشتقات البترولية، كلها يهدف الى تحقيق ارباح وتقليل الخسائر، متحفزا لتقلبات السوق والأسعار.

وبيَّن أن من بين تلك المناطق الهامة Rotterdam وتقدر سعة الخزانات فيها بـ 35 مليون متر مكعب، وSingapore وتقدر سعة الخزانات فيها بـ 65 مليون متر مكعب، وFujairah حيث تقدر سعة الخزانات بـ 8 ملايين متر مكعب، وBahamas وتقدر سعة خزاناتها بـ 20 مليون متر مكعب، ثم Houston وتقدر سعة خزاناتها بـ 15 مليون متر مكعب، مشيراً إلى أن هناك مناطق اخرى تتوافر فيها خدمة تأجير الخزانات مثل شنغهاي في الصين وفي اوسان في كوريا الجنوبية وساو باولو في البرازيل و كوشينغ في اوكلاهوما.

وأوضح ان معظم هذه المناطق تشهد زيادة مطردة في سعة وعدد الخزانات وعمل التوسعات في مرافق الرسو والتصدير لاستقبال اكبر الناقلات حجما ومن بين اكثر المناطق نموا هي امارة الفجيرة حيث تسعى الشركة العاملة هناك الى مضاعفة طاقة التخزين من 8 ملايين متر مكعب الى 13 مليوناً بحلول عام 2015 بعد مد خط انابيب من ابوظبي الى الفجيرة لتفادي اغلاق مضيق هرمز واستئجار شركة SHELL خزانات سعتها الاجمالية مليون متر مكعب في بداية العام الحالي.

تخزين النفط الثقيل

ولفت العوضي إلى ان اسعار تأجير الخزانات النفطية تختلف بحسب المنتج ونوعيته وكميته، فعلى سبيل المثال يختلف تخزين النفط الخام الخفيف عن تخزين النفط الخام الثقيل، حيث يتطلب النفط الثقيل تكلفة التدفئة في المناطق الباردة، واذا كان النفط يحتوي على غازات كبريتية يتطلب الامر وضع الية للتحكم بالانبعاثات الضارة للمحافظة على البيئة حيث اصدرت مؤخرا وكالة حماية البيئة EPA تشريعات وقيوداً على انبعاث الغازات الضارة من تلك الخزانات بحيث لا تزيد على 4 اطنان سنويا بحلول ابريل 2015، وكذلك الحال عند تخزين المشتقات البترولية الخفيفة والثقيلة.

وبيَّن أن اسعار تأجير الخزانات تصل بشكل عام الى حوالي 6 دولارات لكل متر مكعب في الشهر، بما يعادل 45 سنتا لكل برميل شهريا حسب الكثافة النوعية ونسبة الرواسب لكل منتج بترولي، موضحاً ان هذه الاسعار عرضة للارتفاع في حال نشوب حروب وتوترات في مناطق الانتاج والتصدير او التهديد بإغلاق معابر ومضايق choke points مثل مضيق هرمز في الخليج العربي وباب المندب في البحر الاحمر ومضيق ملقا في المحيط الهادي ومضيق البوسفور في البحر الابيض المتوسط وقنوات مثل قناة السويس وقناة بنما في امريكا الجنوبية.

وأشار العوضي إلى انه كما هو معروف فإن مضيق هرمز من اكثر المضايق العالمية اهمية حيث يعبر منه 20% من الانتاج العالمي من النفط و20% من الانتاج العالمي من الغاز الطبيعي، حيث تصدر قطر حوالي 2 تريليون قدم مكعبة سنويا من LNG، وهذا أحد الاسباب التي دعت امارة الفجيرة لبناء المزيد من خزانات النفط والمشتقات البترولية مستفيدة من موقعها الجغرافي المميز خارج منطقة الخليج العربي والمطل على بحر العرب والمحيط الهندي لتربط المشرق والمغرب بأكبر مجمع لخزانات النفط والمشتقات البترولية في الشرق الاوسط، مبيناً أن وجود بورصة لتجارة النفط DME يجعلها عاصمة للنفط في منطقة الشرق الاوسط.

أسباب استراتيجية وسياسية

وقال العوضي إن ثمة أسبابا عدة تدعو الشركات النفطية إلى تخزين جزء بسيط من انتاجها في الخارج، منها أسباب استراتيجية وسياسية وأخرى تسويقية، لافتاً إلى أن مؤسسة البترول الكويتية قامت بهذا العمل في الماضي، حيث خزّنت جزءا من نفطها في جزر البهاما بالبحر الكاريبي عام 1995، لتكون قريبة من اسواق أميركا، موضحاً أن انتهاز الفرص عند ارتفاع اسعار النفط لتحقيق عائد أفضل وتوفير النفط للزبائن خلال فترة زمنية قصيرة لا تزيد على اسبوع يمنحها التفوق على منافسيها.

وأضاف أنه خلال حرب تحرير العراق عام 2003 قامت المؤسسة بتخزين كميات من المشتقات البترولية في الفجيرة تحسبا لأي طارئ، كما قامت بتخزين كميات قليلة من النفط في كوريا الجنوبية عام 2007 بهدف استمرار التزويد للزبون دون انقطاع، موضحا ان الكويت استخدمت السفن كخزانات عائمة عندما كانت المصافي الكويتية لا تملك سعة تخزين كافية على الارض تتناسب مع الطاقة التكريرية وكذلك الزيادة في القدرة الانتاجية من النفط الخام.

 وأشار إلى أن استخدام KPC للسفن في التخزين يرجع الى سوء تخطيط في تقدير الاحتياجات من الخزانات الارضية، مما ادى الى ظهور مشاكل تشغيلية استوجبت استخدام السفن كحل سريع.

وقال ان دولة كبيرة مثل السعودية تبلغ طاقتها الانتاجية من النفط الخام حوالي 9.5 ملايين برميل يوميا قد تحتاج لتخزين بعض الكميات خارج المملكة، كي تكون قريبة من مناطق الاستهلاك، كما اشارت بعض المصادر الصحافية إلى استمرار عقد تخزين 3.8 ملايين برميل في اليابان - اوكيناوه، وتزامن ذلك مع الغاء ثلاث شركات يابانية لعقود تخزين النفط في سنغافورة وهي Marubeni Itochu، Sumitomo بسعة تخزين تقدر بـ 400 الف متر مكعب شهريا.

واضاف العوضي ان ايران تستخدم 15 ناقلة نفط لتخزين النفط الخام وتقدر الكمية المخزنة على ظهر هذه الناقلات بحوالي 30 مليون برميل، ووفقا لأسعار تأجير الناقلات المصنفة VLCC حاليا فهي في حدود 18- 20 الف دولار يوميا، لذلك فإن استخدام الناقلات كخزانات عائمة يوفر لإيران ما بين 15- 25 سنتا بالبرميل مقارنة بتخزينه في خزانات ارضية، مبيناً أن اسباب استخدام ايران لمزيد من الناقلات كخزانات عائمة قد تعود إلى العقوبات الاقتصادية وامتناع بعض الشركات والدول عن استيراد النفط الخام الايراني، كما أن هناك تخوفاً لدى الغرب من استخدام ايران لمزيد من هذه الناقلات المحملة بالنفط ووضعها في جنوب ايران، لإغلاق مضيق هرمز!

وأكد ان تخزين النفط يعد اداة استراتيجية تسويقية جيدة فيما لو تم استغلاله بعقلية التاجر المحترف الذي يهدف لتحقيق افضل العوائد من بيع النفط الخام أو المشتقات النفطية، وذلك باغتنام الفرص المتاحة من جراء تقلبات الاسعار، خاصة عند تصاعد الاسعار Market in Contango بوجود فارق مجز بين الأسعار الفورية والأسعار الآجلة في البورصات العالمية لبيع النفط مثل Nymex و Ice و Simex وبكل تأكيد فإن اسعار التخزين مرشحة حاليا للارتفاع في حال شن ضربة على سورية في الايام القادمة، بينما تظل اسعار النفط متقلبة بحدود لا تزيد على 120 دولارا للبرميل على ابعد تقدير.