بعد عامين على كارثة فوكوشيما... البديل النووي يصحو مجدداً

نشر في 16-03-2013 | 00:01
آخر تحديث 16-03-2013 | 00:01
No Image Caption
توفر المفاعلات النووية حالياً 13 في المئة من طاقة العالم الكهربائية. ولكن إلى أن يحين ذلك الوقت الذي تستطيع فيه تقنيات الانبعاثات المتدنية ضخ كمية الكهرباء المطلوبة، سوف تحتفظ الطاقة النووية بمكانها على طاولة الطاقة الخالية من الكربون.
في مثل هذه الأيام قبل سنتين تعرضت اليابان الى هزة مدمرة نجمت عن زلزال في البر وتسونامي من البحر. وقد قضى نحو 20 ألف شخص نتيجة تلك الهزة الأرضية وما أعقبها من تسونامي دمر الطرقات وأزال قرى بكاملها. وفي ضربة ماحقة حطم البحر الغازي أنظمة التبريد الاحتياطية في مصنع الطاقة النووية في فوكوشيما وتسبب بانصهار تام في ثلاثة مفاعلات وبانفجار أفضى الى اطلاق مادة مشعة الى الجو.

وقد دفعت ثاني أسوأ كارثة نووية في العالم الى خروج الآلاف من السكان من منازلهم كما تسببت بإغلاق الحكومة اليابانية لكل المفاعلات الخمسين في البلاد.

وقد قتل عدد قليل من الناس في كارثة المفاعل نفسها، غير أن عملية التخلص من تداعياتها سوف تكون عملية مضنية وشاقة، وربما تحتاج الى 40 سنة من أجل ازالة التلوث في المنطقة بصورة تامة، وتشير تقديرات حديثة صدرت عن مشغل المصنع «تبكو» الى أن فاتورة التنظيف قد تصل الى 125 مليار دولار.

تعليق النشاط النووي

والأسوأ من ذلك هو أن تعليق النشاط النووي المفاجئ قد يفاقم من تردي الوضع الاقتصادي في اليابان. وقبل الكارثة كانت المفاعلات النووية توفر 30 في المئة من طاقة الكهرباء اليابانية. واليوم عاد الى العمل مفاعلان فقط ، كما أن تكلفة الطاقة ترتفع مع تعويض اليابان للنقص في الطاقة الكهربائية عن طريق الغاز الطبيعي المستورد. وقد تقدمت أربع منشآت للحصول على إذن من الحكومة لرفع معدلاتها كما أن واحدة من الشركات أضافت نسبة وصلت الى 18 في المئة على فواتيرها الى المستخدمين الصناعيين.

وعلى الرغم من أن اليابان تعرضت الى هزة سيئة نتيجة حوادث الانصهار فإن من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن فوكوشيما ليست تكراراً لمحطة تشيرنوبيل، لأن الإشعاع الذي نجم عن المفاعلات المتضررة يمثل جزءاً فقط من المادة التي غلفت اوكرانيا، ويلاحظ تقرير صدر حديثاً عن منظمة الصحة العالمية حول الأخطار الصحية أنه على الرغم من أن سكان معظم المناطق الملوثة عرضة لخطر متزايد بالإصابة بمرض السرطان فإن نسبة الأورام تصل الى نصف واحد في المئة خلال فترة العمر. ومن غير المحتمل أن يصاب حتى عمال الطوارئ الذين توجهوا الى المناطق الملوثة بالسرطان بدرجة تفوق عامة السكان.

مصير الأنشطة النووية

والسؤال هنا هو هل اذا تبين أن كارثة فوكوشيما كانت أقل ضرراً بالنسبة الى السكان مما توقعه البعض، فما مصير الأنشطة النووية؟ وكانت قد انتشرت مسيرات الاحتجاج في شتى أنحاء العالم بعد الكارثة كما سارعت الحكومات الى اعادة تقييم فرص تعرض مفاعلاتها، وأضرت فوكوشيما بقدر أكبر بوضع أوروبا الغربية ازاء الطاقة النووية؛ وتخطط ألمانيا لإيقاف العمل في كل مفاعلاتها بحلول سنة 2022، وحتى فرنسا تعيد النظر حاليا في مسألة اعتمادها على الطاقة النووية.

ومثل منتجاتها الجانبية، على أي حال، لن يكون من السهل حظر استخدام الطاقة النووية. وحتى اليابان تعطيها فرصة اخرى. وقد أيد رئيس الوزراء شنزو آبي بقوة في خطاب حديث في البرلمان الطاقة النووية، اضافة الى أن اليابان تستطيع توفير ما يقدر بعشرين مليار دولار من خلال اعادة تشغيل نصف عدد مفاعلاتها على الأقل بحلول السنة المقبلة. واستؤنفت أعمال البناء في مفاعل نووي جديد في مدينة «اوما» الشمالية ولايزال العمل على مساره في مصتع اعادة المعالجة روكاشو للبدء بإعادة تدوير الوقود النووي في وقت متأخر من هذه السنة.

ويقول جيرمي غوردن من الجمعية النووية الدولية إن «فوكوشيما لم تؤثر بقوة كبيرة على الصناعة». ويظهر المصنعون وشركات البناء تفاؤلاً حذراً ازاء مع تبني العالم النامي للطاقة الذرية. ويقول غوردن: «مع مضي روسيا بقوة، تخطط الهند للعديد من الأبنية الجديدة، كما أن الصين عاودت سيرتها الأولى وخلال خمس سنوات قد يعود البناء النووي الى النمو بسرعة تضاهي ما كان عليه في السبعينيات من القرن الماضي». وتلعب تلك الدول دوراً كبيراً في النمو المتواصل للطاقة النووية حيث يتم بناء 70 في المئة من المفاعلات الجديدة في الصين وروسيا والهند وكوريا.

ويتسم مستقبل الطاقة النووية بقدر أقل من اليقين في الولايات المتحدة حيث تتعرض 5 مفاعلات قيد الإنشاء في الوقت الراهن لتهديد من قبل غاز الميثان الرخيص. ويقول كريس غادومسكي المحلل النووي البارز لدى «بلومبرغ نيو إنرجي فاينانس»: «إن الغاز الطبيعي ينطوي على تأثير مهلك» مشيراً الى أن المصانع التي تعمل بالغاز الطبيعي تتمتع بميزة ثنائية من وفرة الوقود ودرجة أدنى من الإضراب.

واضاف غادومسكي: «ثمة ارتياب اجتماعي ازاء الطاقة النووية، ولذلك لماذا نحاول بناء مصنع للطاقة النووية عندما نستطيع الحصول على غاز رخيص؟ ومن سوف يسعى الى متاعب؟».

ليس خطيرة جداً

وتوفر المفاعلات النووية في الوقت الراهن 13 في المئة من طاقة العالم الكهربائية، وهي حصة من المؤكد تقريباً أن تنخفض نتيجة استخدام المصادر المتجددة. ولكن الى أن يحين ذلك الوقت الذي تستطيع فيه تقنيات الانبعاثات المتدنية – من الكربون وأشعة غاما معاً – ضخ كمية الكهرباء المطلوبة مثل مصانع الوقود الأحفوري أو النووي، أو حتى زيادة استطاعة تخزين الطاقة بصورة جلية سوف تحتفظ الطاقة النووية بمكانها على طاولة الطاقة الخالية من الكربون.

والطاقة النووية أيضاً ليست على قدر كبير من الخطورة كما يظن العديد من الناس. وحتى مع احتساب تأثيرات حوادث من نوع كارثة فوكوشيما فإن الطاقة النووية قتلت أو شوهت عدداً أقل كثيراً مما تسببت به مصانع الوقود الأحفوري.

وحتى اذا توقف الغرب عن استخدام الطاقة النووية فإن الأسواق الناشئة حجزت مكانها في هذا الحقل لسنوات عديدة مقبلة. وبالنسبة الى تلك الأسواق تتفوق المنافع على الأخطار. ويقول غادومسكي: «إن الدول التي تستطيع تحقيق ادارة فعالة للطاقة النووية سوف تكون في موقع تنافسي قوي، والطاقة النووية مصدر قوي لا يمكن تجاهله».

وقد تسببت تلك الطاقة بكارثة في فوكوشيما قبل سنتين وسوف تترك أثرها لعقود طويلة حتى اذا اختفت كل ذرة يورانيوم غداً. وكانت تذكيراً سيئاً بالأخطار الكامنة في الطاقة النووية التي قال العالم إن بالامكان التحكم بها.

(بلومبرغ)

back to top