الفيلي لـ الجريدة•: لا يكفي لإصدار المرسوم بقانون توافر الضرورة بل يتعين أن تكون ملحة ولا تحتمل التأخير
«يجب أن يكون المرسوم المتصل بحالة الضرورة دافعاً للخطر المحدق أو جالباً لمنفعة يخشى فواتها»
ذكر د. الفيلي أن الدستور الكويتي لا يكتفي بتقرير فكرة وجود ضرورة لاستصدار مرسوم بقانون، بل يضيف لها أن تكون ضرورة ملحة في أمور لا تحتمل التأخير، كما أن الإجراء المتخذ يلزم أن يكون بذاته لازما لمواجهة حالة الضرورة.أكد الخبير الدستوري أستاذ القانون العام في كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الفيلي أن النزاعات الموضوعة أمام المحكمة الدستورية طرحت عليها بصفتها المحكمة المختصة بالفصل في الطعون الخاصة بسلامة انتخاب اعضاء مجلس الأمة، و»التذكير بهذه الحقيقة مهم كي لا ننسى ان المطلوب من المحكمة هو فحص الطعون الخاصة بسلامة العملية الانتخابية التي جرت في الأول من ديسمبر الماضي وبالتالي فلسنا، على الاقل راهنا، بصدد طعن بدستورية قانون او مرسوم بقانون».وقال الفيلي، في لقاء مع «الجريدة»، إن «هناك طعونا محلها سلامة العملية الانتخابية في دوائر انتخابية محددة، وطعونا انتخابية مناطها سلامة كل العملية الانتخابية، وهي طعون أساسها ان الانتخابات لم تجر وفق النظام المحدد في الدستور».وأضاف أن «فحص القاضي المنصب على النوع الاخير من الطعون يعني منطقيا بحثه في مرسوم الضرورة، الذي وضع النظام الانتخابي الجديد، باعتبار ان هذا المرسوم يشكل الاساس القانوني الذي وفقه اجريت الانتخابات محل الطعن، وبحث سلامة المرسوم بقانون يقود على الارجح الى بحث موضوع دستوريته، علما أن الأصل ان قاضي الموضوع لا يبحث في المسألة الدستورية كمسألة أولية، لانها من اختصاص المحكمة الدستورية».مسائل أوليةوتابع الفيلي: «لكننا هنا امام قاضي الموضوع، وهو بذاته قاضي المحكمة الدستورية، ونلاحظ اننا لسنا امام اول طعن انتخابي يثار بمناسبته موضوع دستورية القانون فقد تم تقديم دفع امام المحكمة الدستورية في الطعن الانتخابي 20/2009، إلا ان المحكمة لم تبحثه لانها فسرت القانون على نحو يزيل المصلحة من بحثه بالنسبة لمن قدم الدفع».وأوضح: «وفي مسألة إمكان بحث المسائل الأولية المتصلة بسلامة العملية الانتخابية نجد ان المحكمة الدستورية قامت في السابق ببحث الأساس القانوني المؤثر على سلامة العملية الانتخابية، وعلى سبيل المثال في حكمها بالطعنين رقمي 6 و30 لسنة 2012 بإبطال العملية الانتخابية ومجلس 2012، علما أنها في هذا المثال لم تبحث في موضوع الدستورية، بل بحثت في سلامة الاساس القانوني للعملية الانتخابية، لأن هذه العملية أجريت أثناء سريان دور الانعقاد باعتبار أن مرسوم الحل لم يكن سليما».وذكر: «نلاحظ من حكم الدستورية في الطعنين المشار إليهما بإبطال العملية الانتخابية ومجلس 2012 أن المحكمة الدستورية، وهي محكمة طعون انتخابية، لم تبحث في المرسوم باعتبارها قاضي إلغاء، وهي على كل حال لم تكن مختصة بإلغاء مرسوم الحل، لكنها اكتفت فقط بتقرير عدم مشروعية المرسوم لارتباط مشروعية القرار الصادر بالدعوة للانتخاب به، وبالتالي اثره على سلامة العملية الانتخابية».وزاد ان «الموقف المشار له قد يفتح باب التساؤل عن إمكان تعامل المحكمة الدستورية في الطعن القائم على نحو مماثل للطعن السابق، وقد تكتفي المحكمة ببحث المرسوم من زاوية سلامة وجوده كأداة دون الدخول في فحص دستوريته المنفصلة عن الطعن».طبيعة احتياطيةوبين الفيلي أنه «وفق هذا التصور فمن الممكن أن تحكم المحكمة الدستورية في موضوع سلامة العملية الانتخابية دون أن تحكم في تقرير دستورية أو عدم دستورية المرسوم بقانون، باعتبار أن محل الطعن هو سلامة العملية الانتخابية لا دستورية المرسوم بقانون لذاته، ما قد يترتب عليه الحكم فقط ببطلان او عدم بطلان العملية الانتخابية، مع استمرار بقاء المرسوم بقانون الصادر بتعديل المادة الثانية من قانون الدوائر».واردف: «نلاحظ في هذا الصدد ان الطعن الدستوري ذي طبيعة احتياطية يلجأ له القاضي بعد استنفاد وسائل الطعن الاخرى، فهو لا يذهب لبحث موضوع الدستورية متى كان النزاع يمكن حله دون الحكم في موضوع الدستورية، كما ان اجابة طلب الطاعن في النزاع الموضوعي تجعل بحث الدستورية خاليا من المصلحة».ولفت إلى انه «رغم سلامة الاعتبارات المشار لها فإن عدم الحكم في موضوع المرسوم بقانون يجعله باقيا كأساس قانوني لأي انتخابات مقبلة، وهذا يعني استمرار بقاء أساس الطعن في الانتخابات المقبلة، ولذلك فان الحل المشار له مستبعد مادام اساس المشكلة بلا حل».وأضاف أن «المحكمة الدستورية قد تذهب أيضا إلى أن المسألة الاولية في جوهرها هي دستورية أو عدم دستورية المرسوم بقانون، الخاص بتعديل قانون الدوائر الانتخابية بخفض عدد الأصوات الممنوحة للناخب إلى صوت واحد بدلا من أربعة، وفي هذه الحالة ستذهب المحكمة إلى بحث الموضوع من زاوية الدستورية، وتتحول صفتها من محكمة طعون انتخابية إلى محكمة دستورية، فتعالج المسألة الأولية، فضلا عن موضوع النزاع، وهي الانتخابات، باعتبار أن الحكم بهذه المسألة الاولية يسمح لها بعد ذلك بالعودة إلى الموضوع ذاته». شروط إصدار المرسومواستدرك الفيلي ان «بحث المحكمة الدستورية في دستورية المرسوم بقانون يتطلب الإجابة عن بعض الأسئلة، وهي: ما شروط إصدار المرسوم بقانون؟ وهل هناك مواضيع محددة يصدر بها المرسوم بقانون لينظمها في فترة غياب المجلس؟».وقال إن «الإجابة أولا على السؤال الثاني بأننا نلاحظ أن الدستور الكويتي لم يحجب مواضيع بذاتها لكي تنظم بمرسوم بقانون أو أن يمنع تنظيم مواضيع محددة لدى استخدام المرسوم بقانون باستثناء تقريره ألا تخالف المراسيم بقوانين قانون الميزانية».وذكر: «أما الإجابة عن السؤال الأول فهي ان الشروط اللازمة لاستصدار المرسوم بقانون من المنطقي أن تستعرضها المحكمة، وهي: غياب المجلس، ووجود حالة الضرورة وصفة هذه الضرورة، لأن الدستور لا يكتفي بتقرير فكرة وجود ضرورة، وإنما يضيف لها أنها ضرورة ملحة في أمور لا تحتمل التأخير، كما ان الاجراء المتخذ يلزم ان يكون بذاته لازما لمواجهة حالة الضرورة من حيث اتصاله بها واستجابته لها».وقال: «اننا نلاحظ ان تقدير حالة الضرورة يعني تقرير وجود وقائع، إما انها قد حدثت لأول مرة أو كانت قائمة، لكنها استمرت بعد غياب مجلس الأمة، وهذه الوقائع تجعل اتخاذ الإجراء غير قابل للتأخير، ويجب أن تكون هذه الوقائع قائمة واستمرت إلى ما بعد فترة حل مجلس الأمة، أو أنها نشأت بعد حل مجلس الأمة»، موضحا أنه يجب أن تكون هذه الوقائع ملجئة لاتخاذ التدبير على نحو لا يحتمل التأخير بألا يمكن معه انتظار عودة مجلس الأمة صاحب الاختصاص الأصيل بالتشريع».حالة مستعجلةوشدد الفيلي على «أن الدستور الكويتي أكد في المادة 71 منه أن الحالة الموجبة لاستصدار المراسيم بقانون ليست فقط توافر او حدوث الحالة او الواقعة التي بمناسبة وجودها تصدر مراسيم الضرورة، بل يجب أن تكون الحالة التي يشهدها الواقع لا تحتمل التأخير أيضا، وهو شرط تطلبه الدستور، كما يجب منطقيا ان تكون الاحكام المقررة بالمرسوم بقانون متصلة بحالة الضرورة ومستجيبة لها، فيكون من شأنها دفع الخطر المحدق او جلب المنفعة التي يخشى فواتها».وأضاف ان «الحكم في موضوع الدستورية يتضمن في واقع الحال الاجابة عن عدد من الاسئلة متصلة بموضوع الضرورة الموصوف في المادة 71 مثل: من يقرر ان الوقائع المعتبرة حالة ضرورة قائمة؟ ومن يقرر أن هذه الوقائع تجعل من الضروري واللازم اتخاذ الإجراء التشريعي دون انتظار عودة المجلس المقبل؟».وأشار إلى أن «المحكمة الدستورية إذا أجابت بأنها مختصة بتقدير وجود الوقائع، وتقدير مدى ارتباطها بالإجراء التشريعي من حيث عدم إمكان انتظار المجلس التشريعي، فإنها بعد ذلك تتعامل مع اسئلة اخرى وهي: هل هناك وقائع حدثت في غياب مجلس الامة او استمر حدوثها، وهي تشكل حالة استثنائية يلزم مواجهتها لتضمنها لقدر عال من الخطورة؟ هل كان من الممكن الانتظار لحين دعوة البرلمان للانعقاد، واتخاذ الاجراء المطلوب باعتباره صاحب الاختصاص بالتشريع ام ان الامر لا يحتمل التأخير؟ وهل الاحكام التشريعية هي الحل اللازم لمواجهة الضرورة؟».مواجهة الضرورةوذكر الفيلي أن «السؤال الأول أسهل بالإجابة، ونعني فيه وجود الوقائع، وهي أسهل من تقدير درجة الاستعجال، وهي جوهر السؤال الثاني او ملاءمة التشريع من حيث لزومه لمواجهة الضرورة، وهو جوهر السؤال الثالث، خاصة انها قد قررت في حكم حديث لها بعدم ممارستها فحص ملاءمة التشريع للواقع (حكمها 26/2012 برفض الطعن المقدم من الحكومة بشأن عدم دستورية بعض احكام قانون الدوائر الانتخابية)».وتابع: «هنا إما أن تستخدم المحكمة الدستورية فكرة اقتصار رقابتها على وجود الوقائع فقط دون أن تفحص ملاءمتها وضروريتها لاتخاذ القرار، وهو ما يعني عدم امتداد رقابة المحكمة لدرجة الضرورة، ومدى لزوم الاحكام المقررة في المرسوم بقانون، لأن ذلك سيخرج عن اختصاصها، ويكون أمر تقديرها بيد مجلس الأمة، وإما أن تعتبر أن ملاءمة هذه الوقائع للقرار المتخذ يدخل في اختصاصها، باعتبار ان الملاءمة او الحد الادنى منها عنصر من عناصر الدستورية لوروده في صلب الدستور، وفي هذه الحالة تصبح رقابتها على دستورية المرسوم بقانون اكثر اتساعا في عناصرها، وتضبط في واقع الحال رقابة مجلس الامة على عنصر الضرورة».وزاد: «اذا كان موقف المحكمة من التساؤلات المثارة سابقا مؤثرا في مضمون حكمها فإن موقفها من السوابق البرلمانية له اثر بالغ ايضا على اجتهادها في الموضوع، فهي في تعاملها مع الموضوع قد تذهب الى نص المادة 71، وتتعامل معه دون اخذ السوابق بالاعتبار، وفي المقابل قد تعتبر مسلك السلطات العامة في التعامل مع مراسيم الضرورة في الماضي شكلا من اشكال العرف المفسر».ولفت إلى أنه «إذا اعتبرت المحكمة مسلك البرلمان في الموضوع عرفا مفسرا فإن الحكم بدستورية القانون يصبح ارجح لان السوابق البرلمانية في الموضوع تجعل كل ما هو مهم ضروريا، أما إن تعاملت مع الموضوع دون أن تولي السوابق المشار لها اهتماما فإن رجحان عدم الدستورية يزيد بالتأكيد، ويجب ان نؤكد ان القاضي يحكم وفق المحتوى الفعلي للملفات المعروضة عليه، كما ان اجتهاد القضاء يجب ان يحترم دائما، وحكمه واجب النفاذ لانه الوسيلة المقبولة والسليمة لفض المنازعات».«الدستورية» تواصل نظر الطعون اليومبينما تواصل المحكمة الدستورية اليوم نظر الطعون الانتخابية التي أقيمت على انتخابات مجلس الأمة التي أجريت في الأول من ديسمبر الماضي ومن بينها الطعون الانتخابية على مرسوم الصوت الواحد، علمت «الجريدة» أن «الدستورية» تلقت كشوف النتائج والمحاضر من اللجنة العليا للانتخابات، وذلك لعرضها أمام الطاعنين على صحة النتائج، ومن المتوقع أن تسمح المحكمة اليوم برئاسة المستشار يوسف المطاوعة للطاعنين على النتائج الانتخابية بالاطلاع على الأرقام والمحاضر الانتخابية.